الاثنين، 27 فبراير 2012

الملكية الدستورية في الصحف الاردنية







عشرة اسئلة واجوبة حول الملكية الدستورية

الاردن بين الملكية الدستورية والمطلقة خالد الكساسبة

الملكية الدستورية بين الحلم والواقع - اسيد غرايبة

عبدالهادي المجالي: الملكية الدستورية في الأردن مطلب فاقد للحكمة والرؤية المجالي: الملكية الدستورية في الأردن مطلب فاقد للحكمة والرؤية

لملكية الدستورية الأردنية: ثورة ديمقراطية أم وطن بديل؟ ناهض حتر

CNN:- الأردن.. انقسام حول خيار الملكية الدستورية

الملكية الدستورية - كاتبة عضو في مجلس امانة عمان

حول الملكية الدستورية والملكية المطلقة ايمن شحاتة

الملكية الدستورية والاصلاح في الاردن - عبدالله اللوامة

الملكية الدستورية في الأردن.. بين المشروعية ومخالفة الدستور - المحامي الدكتور ليث كمال نصراوين 

الاردن والملكية الدستورية - دكتور نبيل الكوفحي




الأحد، 26 فبراير 2012

الوطن يحتاجك الأن


مجرد خاطرة: الإنسان هو اكبر ثروة لأي وطن - د. محمود الكوفحي


مجرد خاطرة: الإنسان هو اكبر ثروة لأي وطن... وإذا توفر الأنسان الحر المبدع والنظام العادل يصبح بالامكان التغلب على كل المشكلات الاقتصادية والسياسية التي تعترض تقدم الوطن ... والتاريخ اكبر شاهد على صحة ماذكرت... ففي الحرب العالمية الثانية دمرت كل المنشآت الالمانية وما بقي منها دون دمار فكك ونقل الى روسيا وغيرها من الدول التي ربحت الحرب... ولكن بوجود الانسان الالماني امكن بناء منشآت صناعية وعلمية جديدة جعلت المانيا قوية مرة اخرى واصبحت تنافس ضمن مجموعة اقوى الدول الصناعية المتقدمة... ونفس المقولة تصح بحق اليابان ايضا... من هنا فانني اؤمن اننا اذا اعطينا الانسان الاردني (او اي انسان آخر)الحرية وكان النظام عادلا ومخلصا للشعب فانه سيبدع في ايجاد الحلول لكل المشكلات كبرت ام صغرت... بينما المؤسف عندنا في بلادنا يؤدي غياب العدل والظلم الى هجرة العقول القادرة على الابداع وترك الوطن تحت رحمة الفساد والقهر بانتظار دائم للمعونات الخارجية ... والتي لكل منها ثمنا كبيرا ندفعه من استقلالنا وكرامتنا الوطنية وتكريسا لهيمنة الاطراف الخارجية على حاضرنا ومستقبلنا...

لقد افلحت حكوماتنا المتعاقبة ومعها بعض الاجهزة داخل الدولة بسحق الانسان الاردني وقهره ... فادى ذلك الى هجرة الكثيرين ممن استطاعوا الخروج ليحتفظوا بما بقي لديهم من عقل وكرامة... واما من لم يهاجر فهو يتعرض للاستخفاف المتواصل بكافة حقوقه وعلى راسها السياسية ... والى التركيع والتجويع والظلم مع تعريضه بشكل متواصل لبرمجة تختزل الولاء والانتماء للوطن بعبارات جوفاء ومفاهيم مبنية على التسابق في النفاق للمسؤول ... على امل ان يحصل على بعض المكاسب الموهومة على حساب الاردنيين الآخرين... فاعاقت قدرته على الابداع وحولته الى انسان محبط دائم الشكوى والتذمر من الحيف الذي لحق به وبالوطن... ان محاربة المواطن في قوت عياله واذلاله بكل السبل الممنهجة هو ذروة الفساد...

 من يبني الانسان يبني الاوطان ويبني الحضارة ويسمو بالنفس البشرية... ولذلك كان الجيل الاول من السلف الصالح بامكاناتهم المتواضعة بعد ان حررت نفوسهم من قيودها اقوى واعظم من امبراطوريتي فارس وروما معا وسادوا العالم بدون نفط وبدون شراء للذمم وانما بانسانيتهم... ولذلك في هذا الصباح الجميل خطر ببالي ان تجاوز الازمات التي تعصف بالدول العربية في الوقت الراهن يمكن مواجهتها كلها بالتركيز على مقومات صناعة الانسان... اما الاستمرار بضخ المال (ان وجد في ظل التحالفات الجديدة للاردن) لن يكون فيه الحل لمشكلاتنا بل على العكس قد يؤدي الى مزيد من الدمار مالم نفهم اهمية الانسان وحريته وكرامته كشروط طبيعية واجب توفرها للنهوض من كبوتنا التي وضعنا فيها الفاسدون والحكومات الفاسدة المتعاقبة

من هنا ترون اخوتي الاعزاء ان مطالبتنا بالملكية الدستورية تعني توفير الحرية للمواطن الاردني لكي يبدع ويبني وطنا نفخر به جميعا ونرضاه لابنائنا من بعدنا....

البيان الأول لهيئة المتابعة الوطنية للملكية الدستورية


إلى الشعب الأردني

إنّ الحراك الاجتماعي الذي تشهده معظم أقطار العالم العربي، وعلى رأسها تونس ومصر، ما هو إلاّ دلالة واضحة على بدايات التغيير وطلوع الفجر الباسم بإذن الله.

وإذا أمعنا النظر في أوضاعنا على المستوى الأردني نجد أنها تعاني من أزمات كبيرة، وانحرافات بالغة الخطورة، ينبغي أن تسارع جميع الأطراف إلى معالجتها قبل فوات الأوان.

فعلى الصعيد الداخلي …

في المجال السياسي :

تعاني الدولة من خلل بنيوي عميق واضطراب هيكلي كبير في طريقة إدارة الدولة، فقد تمّ تعطيل المؤسسات الدستورية الفعلية، وتمّ تركيز الصلاحيات في يد وجهة واحدة؛ ممّا حول الحكومات من رجال دولة إلى موظفين كبار لا تحمل برنامجاً ولا رؤية وغير قادرة على تحمّل مسؤولية إدارة الدولة، كما تمّ التدخل في الانتخابات النيابية، فتمّ العبث بأصوات الجماهير، وتمّ تزوير إرادتهم، وإخراج مجالس نواب ضعيفة، غير قادرة على القيام بمهامّها الدستورية والرقابية، وأصبحت أداةً طيّعة بيد السلطة وعبئاً على الشعب والدولة.

في المجال الاقتصادي:

فقد تحكم بإدارته شلة من المحاسيب وأصحاب الأموال ومدراء الشركات والهواة، الذين بددوا ثروة الشعب، وأضاعوا مقدرات الوطن، وباعوا المؤسسات الوطنية، وآلت الثروة إلى جيوب قلة قليلة من عديمي الولاء والانتماء لهذا الوطن ولهذه الأمّة. كما تمّ السطو على المال العام وأراضي الخزينة بطريقة غير مشروعة.

في المجال المجتمعي:

فقد تمّ العبث بالنسيج الاجتماعي من خلال إثارة الولاءات الضيقة والعصبيات الجهوية التي عمّقها قانون الصوت الواحد الذي لا يرتقي إلى طموحات الشعب، كما تمّ إضعاف القوى السياسية بطريقة رسمية ممنهجة ممّا جعل الساحات الجامعية مسرحاً للمشاجرات المسيئة، كما تمّ اللعب على حبل الفرقة بين مكونات الشعب الأردني من حيث الأصول والمنابت، وزاد التوتر والخوف بينهم مما يهدد وحدة المجتمع ويعصف باستقراره وأمنه.

على الصعيد الخارجي:

فإنّ هناك تراجع واضح في الدور الأردني على الصعيد الإقليمي والعالمي، وفشل استراتيجي بالانحياز إلى ما يسمّى محور الاعتدال العربي المتهاوي، والمتهالك، وتحالفات أدت إلى إلحاق الأردن بشكل تابع وذليل.

أيها الأردنيون:

إنّ الحل يكمن في إعادة صياغة العقد الاجتماعي بين الشعب ومؤسسة الحكم، من خلال إصلاحات دستورية، تـنــتـقل بنظام الحكم نحو الملكية الدستورية، بشكل فوري ودون إبطاء، وذلك ضمانة للبدء بمسيرة إصلاح حقيقي تمكن الشعب الأردني من استرداد سيادته على وطنه. بحيث يكون الملك رأساً للدولة، وليس رئيساً للسلطات، كما ينبغي تجنيب الملك الانشغال في التفاصيل التنفيذية، وأن يتمّ تكريس موقع الملك كمرجعية ضامنة للتوازن بين السلطات وضامنة لاستقرار الحياة السياسية وصيانة القيم العليا الناظمة لمكونات الدولة.

وهذا يقتضي الوصول إلى معادلة سياسية ودستورية واضحة تعمل على تحقيق الأهداف التالية:

أولاً: “الشعب مصدر السلطات” وهذا يقتضي أن يكون مجلس النواب منتخباً على أسس وبرامج سياسية واقتصادية واضحة، وأن تكون الحكومات منتخبة تحقيقاً لمبدأ مركزي في الدولة الحديثة وهو عدم جواز تولية السلطة التنفيذية لمن ليس له صفة تمثيلية منتخبة، وهذا يمكن الشعب من ممارسة حقه في الرقابة والمحاسبة الفعلية للسلطة التنفيذية.

ثانياً: مجلس الأمة بشقيه النواب والأعيان ينبغي أن يكون منتخباً من الشعب، وفقاً لشروط دستورية محددة وأن يكون سيداً لنفسه، وضمان مبدأ الفصل بين السلطات.

ثالثاً: إعادة مسار السياسة الأردنية الإقليمية من أجل أن يكون الأردن بوابة حصينة ومنيعة للعالم العربي والإسلامي في مواجهة المشروع الصهيوني، وليس جسراً للعبور، ولا رأس حربة معادية موجهة لصدر الأمة.

رابعاً: إعادة بناء العلاقة الأردنية الفلسطينية على أسس واضحة؛ من أجل تحقيق المصلحة العامة للأمّة، أهمّها:

أـ ‌الارتقاء ببناء الثقة بين مكونات المجتمع الأردني، وتمتين النسيج الاجتماعي من خلال الاعتراف بحقوق المواطنة، وعدم التنازل عن الهوية الفلسطينية في مواجهة المشروع الصهيوني، مع التمسك بحق العودة وعدم التنازل عنه جماعيّاً أو فردياً، والوقوف صفاً واحداً في إفشال مؤامرة الوطن البديل.

ب ـ ‌الأردنيون جميعاً معنيون ببناء الأردن القويّ الديمقراطي المزدهر في مواجهة الخطر الصهيوني، الذي يهدد الأردن وفلسطين، والعالم العربي والإسلامي كله، ومشاركة الشعب الفلسطيني في جهاده الشامل ضد الاحتلال الصهيوني حتى يتمّ تحرير الأرض والمقدسات.

أيها الأردنيون:

لقد آلت الأزمة المستفحلة على جميع الأصعدة، وفي كل المجالات إلى وضع متفجر، ينذر بأقسى إشارات الخطورة، وهيئة المتابعة الوطنية للملكية الدستورية تعلن عن بدء العمل لتحويل الأردن إلى ملكية دستورية، وتهيب بالشعب الأردني بكل قواه الاجتماعية والسياسية الحية وشبابه الواعي ورجاله المخلصين نحو تدارك الأوضاع حتى لا ينزلق الوطن إلى حافة الفوضى وشفا المجهول، وذلك لتوحيد الصف بالعمل الجاد الفعال المنتج.

والله ولي الأمر والتوفيق، له الأمر من قبل ومن بعد

هيئة المتابعة الوطنية للملكية الدستورية :

1.         فضيلة الأستاذ سالم الفلاحات

2.         اللواء م . موسى الحديد

3.         الدكتور رحيل غرايبة

4.         الأستاذ جمال الطاهات

5.         اللواء م الدكتور صالح العدوان

6.         الدكتور نبيل الكوفحي

7.         اللواء م عبد الله المحارمة

8.         العميد م أحمد مطلق العجارمة

9.         الدكتور علي العلوان

10.        العميد م طيار منير الحنيطي

11.        الدكتور جمال العريني

12.        الدكتورة عيدة المطلق

13.        الدكتور عبد الله المجالي

14.        السيد سعد البراري

15.        المهندس خالد حسنين

16.        الأستاذ زيد أبو درويش

17.        المهندس خالد رمضان

18.        الأستاذ محمد السعودي

19.        العقيد م باسل المناعسة

20.        الأستاذ إبراهيم عجوة

21.        العقيد م طلال الضامن

22.        الأستاذ عاطف حماشة

23.        المهندس صايل العبادي

24.        المهندس بادي الرفايع


27-2-2011
هيئة المتابعة الوطنية للملكية الدستورية

في الجدل الدائر حول “الملكية الدستورية - الاستاذ عريب الرنتاوي


احتلت مسألة «الملكية الدستورية» مكاناً محورياً في الجدل الوطني العام، الذي اندلع بقوة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، على وقع الحراك الشعبي المحلي من جهة، وثورات الإصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي في العالم العربي من جهة ثانية… وما كان يُثار همساً حول هذا الموضوع من قبل، بات مسألة مدرجة على جدول أعمال الدولة والمجتمع ومختلف القوى والكيانات السياسية هذه الأيام.
والحقيقة أن القارئ لبعض صفحات الجدل الدائر حول هذه المسألة، يلحظ أن أغلب (وليس جميع) الآراء المطروحة، يمكن إدراجه في «بورصة المزايدات وبازارها»، يستوي في ذلك المؤيدون لها من دون قيد أو شرط، مع المعارضين لها جملة وتفصيلاً، عن قناعة أو نفاق لا فرق… مع أن المنطق والحكمة يقتضيان شيئاً آخر، أو بالأحرى، يمليان التفكير بطريق ثالثٍ بين هذه وتلك، ولأسباب تتصل بـ»طبيعة التركيبة» الأردنية من جهة، ومقتضيات «التدرج» من جهة ثانية، والحاجة لاختبار «قواعد اللعبة الجديدة» في مناخات من الأمن والاستقرار من جهة ثالثة، أي باختصار، لأسباب تتصل بالصالح العام.
والصالح العام هنا، يقتضي أن يظل الملك رمزاً لاستقلال البلاد وسيادتها ووحدتها… الصالح العام يقتضي أن يظل الملك «حكماً» بين مختلف الأفرقاء واللاعبين، يرجعون إليه عند الاختلاف والاصطدام… الصالح العام يقتضي أن تظل مؤسسة العرش، راعية الدستور وحارسته، وضمانة عدم تغوّل «الأغلبية» وافتئاتها على قواعد اللعبة وحقوق الأقلية… الصالح العام يقتضي أن تظل مؤسسة العرش، ضمانة للثوابت التي يتوافق عليها الأردنيون ويرتضونها في عقدهم الاجتماعي الجديد، أو دستورهم الجديد، أو دستورهم القديم بعد تعديله.
بخلاف ذلك، أو دون ذلك، لا اعتقد أن من مصلحة مؤسسة العرش، أو النظام الملكي، واستتباعاً الصالح العام، أن يكون للملك صلة مباشرة أو غير مباشرة، بما يجري من أحداث وتطورات… فالبرلمانات يجب أن تُنتخب وفقاً لقانون توافقي، حديث وعصري… والحكومات المنتخبة يجب أن تنبثق من الأغلبية البرلمانية… الملك يجري استشارات ملزمة لاختيار رئيس حكومته من بين الفريق الفائز… الحكومة تخضع للمساءلة تحت قبة البرلمان… هي من يحدد برنامج عملها للمرحلة المقبلة، وهي المسؤولة عن تنفيذه، وهي التي تحظى بثقة البرلمان أو تفقدها وفقاً لقدرتها على إنفاذ برنامجها، ووفقاً لقدرة هذا البرنامج على إقناع الأردنيين بجديته وجدواه.
للحكومة في «الملكية الدستورية» ولاية دستورية شاملة وصلاحيات كاملة… يجب أن تنتهي ظاهرة الحكومات «مقصوصة الأجنحة التي تخضع نظرياً للمساءلة عن صلاحيات لا تمتلكها إلا نظرياً، فيما «حكومات الظل» غير الخاضعة للمساءلة، هي التي تمتلك صلاحيات استثنائية، لا حدود لها… الحكومة صاحبة السلطة والولاية، هي من يقرر بشأن السياسة والعلاقات الخارجية للدولة… وهي التي تتبع لها الأجهزة الأمنية، كل الأجهزة الأمنية… وهذه تخضع بدورها لمساءلة البرلمان ورقابته، حيث يتعين أن ينشئ النواب لجنة خاصة في مجلسهم باسم لجنة الأمن والدفاع… فيما القوات المسلحة والجيش، يظلان بإمرة الملك، فهما أيضاّ، حماة الدستور ودرع الوطن وضمانة سيادته واستقلاله.
تجربة الثورات العربية الأخيرة، أظهرت أن الجيوش لا الأجهزة الأمنية، هي الملاذات الأخيرة للأوطان والمجتمعات حين تحيط بها الأنواء من كل جانب… فالحكام الذين جاءوا على ظهور دبابات جيوشهم، عملوا أول ما عملوا على إضعاف هذه الجيوش وتهميشها لصالح أجهزة أمنية متضخمة ونافذة، إلى أن تفتقت أذهانهم الصدئة عن الحاجة لتشكيل قوات ضاربة من «البلطجية» و»المرتزقة» تلعب دور الرديف الاحتياطي، لحاكم لم يعد يثق أو يأنس بغير القوة العمياء المأجورة.
نحن بحاجة لتغيير قواعد اللعبة السياسية في بلادنا… اللعبة القديمة استنفدت أغراضها… والملكية الدستورية هي الإطار الناظم الأفضل للعبة الجديدة… نقول ذلك، لأننا مؤمنون أولاً: بجدوى النظام الملكي وصلاحيته للمرحلة المقبلة… فهذا النظام لم يستنفذ قدرته على قيادة البلاد نحو ضفاف المستقبل، ولكن الملكية كنظام حكم، باتت بحاجة إلى تطوير وإصلاح جذريين لكي تواكب روح العصر ومقتضياته… وندعو لذلك لأننا مقتنعون ثانياً: بأن مجتمعاً منقسما على نفسه، كالمجتمع الأردني بحاجة لنظام من هذا النوع، يحميه من الانزلاق إلى اتون اصطدام أهلي، لن تحمد عقباه إن اندلع لا سمح الله… ونشدد على جدوى هذا النظام، من موقع الثقة ثالثاً، بأن التدرج، وتفادي القفزات في المجهول، هي أفضل وسيلة لضمان انتقال سلس إلى ضفاف الحرية والديمقراطية.
ليست هناك نسخة واحدة من «الملكية الدستورية»… والمناداة بها لا تعني استحضار تجربة «ملكة بريطانيا» بالضرورة، هناك مستويات وأشكال وانماط يمكن التفكير بها… ما نحن مؤمنون به، أن الأنماط السابقة في ممارسة الحكم وتوزيع السلطة والصلاحيات، لم تعد مقبولة… والانتقال إلى «الأنموذج البريطاني» فيه قدر كبير من المجازفة والتطيّر، ومن عاش وشاهد مناخات التوتر والاحتقان والاستقطاب التي عاشها مجتمعنا في الأيام الأخيرة، يدرك تمام الإدراك، ما أريد أن أقول… لذا فإن ملكية دستورية، مستوحاة من خصائص التجربة الأردنية وأولوياتها، ربما تكون التجسيد الأفضل لمفهوم «الصالح العام».

الدستور
عريب الرنتاوي
29 / 03 / 2011

النظام البرلماني والدستور الأردني والملكية الدستورية أ. د. محمد الحموري


 أصبح مطلب كل واحدة من الثورتين المنتصرتين في تونس ومصر، الأخذ بالنظام البرلماني (ويسمى أيضاً النيابي)، وذلك بعد أن عاش البلَدَان لعقود من الزمن، في ظل أبشع صورة وممارسة للنظام الرئاسي. والنظام البرلماني الذي تطالب به الثورتان، يحكمه دستور واضح المعالم، متكامل البنيان، لا يعطي صلاحيات أو سلطات لرئيس الدولة، وبالتالي أصبح هذا النظام البرلماني مطلباً لثوار تونس ومصر، حتى لا يتمكن رئيس الجمهورية القادم من الاستناد إلى صلاحيات دستورية يتطرف في ممارستها نظرياً وواقعياً، ويصبح حاكماً مطلقاً أوحداً تدور الدولة وباقي السلطات ومعها الشعب حوله، لتكون طوع بنانه، وبعدها ينطلق الشعر والنثر والإعلام في التسبيح بحمده، والتأييد المطلق له، أملاً في رضائه ورضا عائلته وأنسبائه، ويسكت الجميع كاتمين غيظهم وهم يرون بأم أعينهم، كيف يستبيح الرئيس وأتباعه أراضي الدولة بقرارات حكومية، وكيف تنهب أموال الخزينة بسطوة رئاسية تباركها الحكومات والمناصب التي يصنعها، وتصبح أجهزة المخابرات والأجهزة الأمنية العلنية منها والخفية أدوات لتكميم الأفواه، وتسهيل النهب والسطو، ومصادرة الحقوق والحريات، وانتهاك الحرمات.

إن الصورة البشعة للنظام الرئاسي الذي قاد تطبيقه في تونس ومصر إلى ما سبق، ليست من طبيعة هذا النظام، وليست مما فكر أو يفكر فيه قانوني أو سياسي درس أو درّس هذا النظام، أو بحث في أصوله وتطوره نظرياً وواقعياً. لكن الرئيس في الدولتين، بموجب بعض الصلاحيات التي يعطيها له النظام الرئاسي، استطاع الزحف تدريجياً خارجها وتوسيعها، ثم تمكن من تعديل نصوص الدستور وبعض القوانين ليزيد من سلطاته، حتى أصبح الصنم الأوحد الذي يتوجب على الجميع عبادته وطاعته. لننظر إلى أمريكا وفرنسا اللتان تأخذ كل منهما بالنظام الرئاسي الذي يعطي للرئيس صلاحيات وسلطات بموجب الدستور، وعندها سنجد أن ذات الوسائل الرقابية المنصوص عليها في الدستور الرئاسي تمكنت من إيقاف الرئيس عند حدوده. لكن الرئيس في كل من مصر وتونس تمكن من تدجين الوسائل الرقابية الدستورية، والاستحواذ على أشخاصها، والوصول بوطنه حدوداً أدت إلى الانفجار الشعبي والمطالبة بالنظام البرلماني.

والحقيقة أنه بمعزل عن نظام الجمعية الذي ظلت بواقيه في بعض المقاطعات السويسرية قائمة حتى الآن، فإن الفقه الدستوري في الوقت الحاضر يعرف نوعين من عوائل النظم السياسية، أولهما عائلة النظام البرلماني، وثانيهما عائلة النظام الرئاسي. وتعتبر بريطانيا النموذج البارز والمصدر التاريخي للنظام البرلماني، في حين تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية نموذجاً للنظام الرئاسي. وبالنظر الى أن الدستور الأردني ينتمي إلى عائلة النظام البرلماني، فسوف أورد الحقائق التالية المستقرة عن هذا النظام:

1. نشأ النظام البرلماني في بريطانيا، وقد احتاج حتى وصل إلى المرحلة التي استقر عليها حوالي (600) سنة، وهي الفترة الممتدة من تاريخ صدور الماغنا كارتا عام 1215 حتى أواخر القرن الثامن عشر. وقد تكاملت ملامح هذا النظام في عهد جورج الثالث الذي حكم من عام 1760 حتى عام 1820. وبالنظر إلى هذا التشكل التدريجي للنظام، فإن القواعد التي تحكمه، أي القواعد الدستورية، تشكلت تدريجياً أيضاً، وهذه القواعد بعضها مصدره أعراف وتقاليد فرضها الواقع، وبعضها مصدره أحكام أصدرها القضاء، والبعض الثالث مصدره نصوص لها طبيعة دستورية أصدرها البرلمان الإنجليزي.

2. أخذت بلجيكا بالنظام البرلماني بعد أن استقلت عن هولندا عام 1830، وأصدرت أول دستور برلماني مكتوب عام 1831، وهو عبارة عن تدوين للقواعد الدستورية التي تحكم النظام الإنجليزي. وقد أعادت بلجيكا مراجعة هذا الدستور وإجراء بعض التعديلات عليه في الأعوام 1893، 1899، 1921، 1980، 1988، 1992، 1993، 1996.

3. وعندما أصبحت الدول تأخذ بالنظام البرلماني الإنجليزي، وجدت نصوصه مكتوبة في بلجيكا، فاستقت نصوص دساتيرها البرلمانية من هذا الدستور. ومن هذه الدول مصر والأردن، حيث استقت مصر دستورها لعام 1923 من نسخة الدستور البلجيكي لعام 1921، وكذلك الأردن في دستورها لعام 1952، حيث تأثرت ببعض الصياغات المصرية.

4. وبالنظر إلى أن النظام البرلماني قد نما وترعرع وتكامل في ظل نظام ملكي، فقد أخذت بهذا النظام البرلماني النظم الملكية، في أوروبا، والعديد من الدول الملكية الأخرى في العالم، على مدى القرن التاسع عشر والقرن العشرين، فضلاً عن العديد من الدول التي أخذت بالنظام الجمهوري، كما سنرى.

5. وبذات الطريقة الدستورية التي وفّقت فيها بريطانيا بين قاعدة توارث المُلْك الدستورية وبين قاعدة الشعب مصدر السلطة الدستورية، أخذت الدول التي عمدت النظام البرلماني، واستقرت تلك الطريقة فيها. وهذه الطريقة تقوم على الفصل بين السلطة وبين المُلْك، بمعنى أن ممارسة الشعب للسلطة تكون عن طريق نواب ينتخبهم ليشكلوا مجلساً يسمى مجلس النواب، أو مجلس الشعب، أو مجلس العموم ... الخ، وهذا المجلس الذي يمثل الشعب مصدر السلطة، يمنح الثقة للحكومة، لتمارس الحكم كسلطة تنفيذية تحت رقابة المجلس نفسه، فضلاً عن رقابة القضاء ورقابة الرأي العام. وبالنظر إلى أن رئيس الدولة يتولى موقعه بالتوارث وليس بالانتخاب، فإنه يصبح رمزاً للدولة ووحدتها، دون أن يمارس سلطة، لأن الذي يتولى السلطة هو الشعب وفقاً للآلية سابقة الذكر. وبصفته رمزاً للدولة، فإن الملك هو الذي يوقع على القرارات الحكومية التي تحتاج إلى توقيع رئيس الدولة، وهو الذي يوقع على التشريعات التي تتخذها السلطة التشريعية، وهو الذي تصدر الأحكام القضائية باسمه.

6. وانطلاقاً من قاعدة أن الملك لا يمارس سلطة في النظام البرلماني، فقد أصبح لا يتحمل مسؤولية، وبالتالي لا يجوز نقده أو المساس به، لأن النقد يوجه إلى من يمارس السلطة، ومن يقوم بهذه الممارسة يمكن أن يخطىء وبالتالي يحق للناس توجيه النقد واللوم له، وتغييره. وقد ولدت هذه القاعدة عام 1770 في ظل الملك جورج الثالث في بريطانيا، واستوجبت النص في قانون العقوبات على جريمة إطالة اللسان لكل من يصدر عنه أي مساس بالملك. ومنذ العام المذكور، استخلص الفقه قاعدة تلازم السلطة والمسؤولية، أي أن من يمارس سلطة يتحمل مسؤولية هذه الممارسة، ومن لا يمارس السلطة لا يتحمل مسؤولية.


7. ويقوم النظام البرلماني على ركائز أساسية منها:

- وجود رئيس دولة يملك ولا يحكم أو يمارس على شعبه سلطة، لأن الشعب هو صاحب السلطة ويمارسها عن طريق مجلس منتخب يمثله.

- حق المجلس الممثل للشعب (النواب) في منح الثقة للحكومة من أجل توفير مشروعية لوجودها وممارسة صلاحياتها.

- حق المجلس في سحب ثقته من الحكومة، ليصار إلى تشكيل حكومة بدلاً منها.

- حق الحكومة في حل مجلس النواب، وفي هذه الحالة يتوجب على الحكومة أن تستقيل، ليصار إلى تشكيل حكومة جديدة لإجراء الانتخابات للمجلس الجديد.

- يتوجب على الحكومة التي تحل مجلس النواب بيان أسباب الحل، حتى لا تلجأ الحكومة اللاحقة إلى حل المجلس الجديد لذات السبب.

- مسؤولية الحكومة التضامنية أمام مجلس النواب عن كل عمل تقوم به، وحق مجلس النواب في محاسبة الحكومة عما يصدر عنها.

8. وخلال القرن العشرين، أصبحت تأخذ بالنظام البرلماني الدول التي يوجد فيها نظام جمهوري وليس ملكي، كالهند وإيطاليا على سبيل المثال، وأصبح رئيس الجمهورية لا يمارس سلطة.

9. ومن أجل أن يصبح رئيس الدولة في النظام البرلماني رمزاً للدولة، ومجسداً لوحدتها الوطنية، فقد استوجب الدستور في النظام البرلماني توقيع رئيس الدولة، كما أسلفنا، على ما يصدر عن الحكومة والبرلمان.

ولعل ما أخذ به الدستور البلجيكي عن النظام الإنجليزي يجسد واقع الحال في هذا النظام البرلماني عندما نص على أن:

- الملك هو رأس الدولة، وهو مصون من كل تبعة ومسؤولية (المواد 37، 88 من الدستور البلجيكي).

- السلطة التشريعية يباشرها الملك وسلطة التشريع (مادة 36).

- السلطة التنفيذية يختص بها الملك.

- الملك يصدق على القوانين ويصدرها ويأمر بوضع الأنظمة اللازمة لتنفيذها (مواد 36، 108، 109)

- الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وله أن يصدر الأوامر لها (114).

- الملك يدعو مجلس التشريع للانعقاد ويؤجل جلسته ويفض دورته (44-45).

- الملك يحل المجلس التشريعي (46).

- الملك يعين الوزراء ويقيلهم (96 ، 104).

- الملك ينشىء ويمنح ويسترد الرتب والألقاب الشرفية (113).

- الملك يصدر العفو ويخفض الأحكام القضائية.

- أوامر الملك الخطية أو الشفوية لا تخلي الوزراء من مسؤولياتهم.

- يجب توقيع الوزير أو الوزراء المختصين على القرارات التي يوقعها الملك، ويتحمل الوزراء المسؤولية وليس الملك.

وفي هذا الصدد، فقد صدر في بريطانيا عام 1992 مدونة بالقواعد الدستورية التي تحكم النظام البرلماني الإنجليزي، وقد جاءت هذه المدونة على شكل نصوص وضعها الفقه الإنجليزي، للتسهيل على الباحثين عن المعرفة بأحكام الدستور الإنجليزي من خلال الرجوع إليها. ووفقاً لما ورد في الفصل (31) (Section 31) من المدونة، فإن هذه القواعد لا تخرج عن الأحكام الوارد ذكرها في الدستور البلجيكي. وذات الأحكام التي يحتويها الدستور الإنجليزي والبلجيكي، وردت في المواد (24-49) من الدستور الهولندي وفقاً لمراجعته الأخيرة عام 2008، والمواد (56-65) من الدستور الإسباني لعام 1978، الذي عاد بموجبه الحكم الملكي إلى اسبانيا وفقاً للنظام البرلماني، بعد زوال حكم الجنرال فرانكو.

10. ويترتب على ما سبق، بالنسبة لموضوعنا، أنه ما دام أن توقيع الملك وحده لا يكفي لصدور قرار أو قانون، وأن هذا الصدور يستوجب توقيع الوزير أو الوزراء من أجل تحمل المسؤولية، فإن من حق الوزير ومن واجبه أن يمتنع عن التوقيع إن وجد في الأمر مخالفة للدستور أو القانون أو المصلحة العامة. وفوق ذلك، فما دامت أوامر الملك الخطية أو الشفوية لا تخلي الوزير الذي يستجيب لها من المسؤولية، فمن واجب الوزير عندما يتبين أن في أوامر الملك ما ينطوي على مخالفة لدستور أو قانون أو مصلحة عامة، أن يعلم الملك بذلك، وعندها، فإن من الطبيعي أن يتراجع الملك عما أمر به. فإن أصر على ذلك، فمن حق الوزير أن لا يستجيب، لأنه هو وليس الملك، سيكون محلاً للحساب وتحمل المسؤولية.

11. لقد اكتفينا بذكر القواعد الواردة في دستور كل من مملكة بلجيكا، ومملكة بريطانيا ومملكة هولندا، ومملكة اسبانيا، كنماذج لأعرق الملكيات التي تأخذ بالنظام البرلماني في العالم. ونضيف، أن كل قاعدة واردة في نصوص تلك الدساتير، قد سالت من أجلها أنهار من دماء شعوب أوروبا من أجل الحصول عليها. وفوق ذلك، فإن كل نص من نصوص تلك الدساتير قد تحدد مدلوله على مدى ما يقرب القرنين، بموجب أحكام صادرة عن أرقى المحاكم وأعلاها، وبموجب مجالس تشريعية ملتزمة ومنتمية لأوطانها، فضلاً عن تفسيرات صادرة عن أكبر فقهاء القانون في العالم. واستقر مدلول تلك النصوص على نحو متكامل ومتوازن، بحيث إذا أُعطي بعضها مدلولاً مختلاً، سيؤدي ذلك إلى إلحاق الخلل بالبعض الآخر. ومن هنا، فقد أصبحت الدول التي تأخذ بنصوص تلك الدساتير، تلجأ إلى البحث عن المدلول الذي استقر لتلك النصوص، عندما تحتاج إلى معرفة المعنى المتعلق بأي نص يستشكل عليها مدلوله.

12. وبمراجعة النصوص من (24-27) و (30-40) من الدستور الأردني، نجد أنها متطابقة تماماً مع نصوص دساتير الملكيات العريقة التي أخذت بالنظام البرلماني، على النحو الذي سبق ذكره. واصطلاح الملكية الدستورية الذي أصبح محل تداول في الأردن، ليس من الاصطلاحات التي تستخدمها كتب القانون أو يستعملها الفقه الدستوري، لكن تداوله من قبل فئات وأطياف سياسية لا يعني أكثر من أننا في الأردن دولة ملكية يحكمها دستور يأخذ بالنظام النيابي – أي البرلماني – وأن هذا الدستور واجب التطبيق. والمادة الأولى من دستورنا تنص على أن "نظام الحكم نيابي ملكي وراثي". وبالنظر إلى أننا دولة تأخذ بالنظام الملكي وفقاً لدستور واجب التطبيق، فقد استوقفني ما صدر عن الدكتور معروف البخيت رئيس الوزراء عندما خاطب النواب في جلسة الثقة وقال: "وبنفس الصراحة والوضوح، فإن الحكومة ترى في طروحات ما يسمى بـ "الملكية الدستورية" في هذه المرحلة إخلال بتوازن وأسس نظامنا السياسي وبدستورنا الأردني (دستور 1952) وهو كما نراه وترونه أنتم بالتأكيد لغو، طرح يتجاوز الدستور الذي نلتزم به جميعاً ويتعدى أهداف الإصلاح وتعزيز وتعميق المسيرة الديمقراطية ...".

يا دولة الرئيس، فما دمنا دولة ملكية يحكمها دستور يجسد النظام البرلماني، فإنه يصبح من حق كل مواطن فيها أن يؤكد أن هذا الدستور واجب التطبيق، فإذا استخدم المواطن اصطلاح الملكية الدستورية للتعبير عما ينادي به، فهذا من حقه، ولا نستطيع إلزامه بالإصطلاحات الفنية التي تستخدمها كتب الفقه، ولا أظن أن من بمثل تأهيلك يخفى عليه هذا اللزوم الدستوري. ولثقتي بوطنيتك وانتمائك وإيمانك بالإصلاح، فقد قدرت أن لديك معلومات تفيد بأن من ينادي بالملكية الدستورية، يستهدف أموراً خارجة على الدستور أو لا يقرها الدستور. فإن كان الأمر كذلك، فأرجو أن تثق بأن كل أردني سيكون بجانبك في الدفاع عن دستورنا. وأضيف، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن جميع ما سبق أن أوردته عن النظام البرلماني والملكيات الدستورية، هو معلومات واقعية مكتوبة ومدونة في الدساتير وفي تاريخ نشأتها وتطورها، ولا يخضع ما أوردت لأي اجتهاد مني أو من غيري. بعبارة أخرى، المعلومة تبقى معلومة معطاة، ولا يغير من وجودها إنكارها أو القفز عنها.

13. إن النظام البرلماني الذي نأخذ به، قد ارتبط عند الدول التي طورته بوجود أحزاب تتناوب على الحكومات، ورئيس الدولة في هذا النظام يكلف بتشكيل الحكومة رئيس حزب الأغلبية أو رئيس ائتلاف الأغلبية، ولا يكلف غيرهم، لأن هذا الغير لا يستطيع الحصول على الثقة المطلوبة من مجلس النواب. لكن الذي جرى عندنا في الأردن، أن الأحزاب مُنعت لعقود من الزمن وأصبحت الحزبية جريمة. ومن هنا فلم ينشأ عندنا حتى الآن حزب أغلبية. ولذلك، فإن الملك أصبح يطلب من أي شخص يثق به أن يشكل الحكومة، وأن يطلب منه تقديم استقالته، وذلك دون قيود أو شروط وفي أي وقت. وهذه الممارسة جعلت فهم رؤساء الحكومات والوزراء أن تقلدهم لمناصبهم واستمرارهم فيها، يتطلب إرضاء الملك، ومن هنا أصبحنا نرى الكثير ممن يتقلدون هذه المناصب يعتقدون أن تقربهم من الملك هو وسيلة بقائهم، فأدى ذلك بهم إلى أن ينسبوا ما يقومون به إلى الملك، تقرباً ووسيلة للبقاء. بل واستتبع ذلك، التقرب من المحيطين بالملك اعتقاداً بأن ذلك يجلب رضاء جلالته عن طريقهم. وهكذا غدا صاحب الجهاز بالتدريج مطاعاً وأصبح صاحب سلطة على الحكومات اعتقاداً منها بأنه يعبر عما يريده الملك، فتنازلت له الحكومات بشكل واقعي عن صلاحياتها الدستورية، وتفاقم الأمر، وصار بتوجيه منه يُعيَّن الوزراء وأصحاب المناصب، بل وحتى رؤساء الجامعات والعمداء، وعلى الحكومات التوقيع على القرارات بصفتها المسؤولة دستورياً، في حين أن صاحب السلطة في كثير من الأحيان هو، وليس غيره، ويكون على هذه الحكومات في النهاية أن تجد السند الدستوري أو القانوني لما توقع عليه. ومن أجل إسباغ الصفة الدستورية على ما تقوم به الحكومات باسم الملك، أصبحت هذه الحكومات تغطي نفسها باستشارات قانونية تفصل حسب الرغبة والطلب، بأجر تدفعه الحكومات من المال العام. وبموجب هذه الاستشارات، أصبحت القوانين المؤقتة المخالفة للدستور مشروعة، وغدا تغييب مجلس النواب مشروعاً، وأصبح الانحراف عن الدستور مغطى بفتاوى تبرره، بل أكثر من ذلك، فقد أصبح من يحتل موقعاً اجتماعياً أو سياسياً، يصدر الفتاوى الدستورية رغم عدم تأهيله القانوني، اعتقاداً منه أن ذلك يسبغ عليه الرضا المطلوب. ورغم تكاثر أعداد أعضاء نادي رؤساء الوزارات، والتزايد في تعاقب رؤساء الديوان الملكي، فإني أظن، وليس كل الظن إثم، أنهم لم ينبهوا جلالة الملك إلى أوجه الخلل التي زحفت بشكل تدريجي على نظامنا الدستوري البرلماني، وأوصلتنا الى ما نشكو منه الآن، حتى يقوم جلالته بوضع الأمور في نصابها. بل إن بعض رؤساء الوزارات تعودوا على القول، إن جلالة الملك فوق الدستور، في حين أن جلالته لا يمكن أن يقبل بذلك. وأعتقد أن كل من قصّر في هذا الأمر، فإنه يكون قد حنث بيمين الإخلاص للملك وللدستور في آن معاً.

14. لقد حزنت وتألمت كثيراً، وأنا أقرأ آخر الفتاوى التي أصدرها نائب وازن في مجلسنا النيابي حيث يقول، أن الوزراء في دولتنا، يحكمون وفقاً للمادة (26) من الدستور بتفويض من الملك!!، لأن المادة المذكورة تنص على أن "تناط السلطة التنفيذية بالملك ويتولاها بواسطة وزرائه وفقاً لأحكام الدستور". أتمنى على من قال ذلك أن يتمهل مستقبلاً، حتى لا يفتي بما لا معرفة له به، ويتذكر، أنه ما كان سيقول ما قال، لو أعطى نفسه فرصة ليسأل عن حقيقة وواقع النص المماثل لنص دستورنا، والمستقر نظرياً وعملياً على نحو متواتر على مدى قرنين من الزمان في بريطانيا وبلجيكا وغيرها من الملكيات الدستورية، راجياً أن يعلم أن التفويض له مدلوله القانوني، ويعني أن من يقوم بالتفويض يكون مصدراً للسلطة والصلاحيات التي سيمارسها من فوضه، وهذا غير قائم في دستورنا أو في دساتير العالم المتحضر عموماً، لأن الشعب هو مصدر السلطة. وأتساءل، ماذا سيكون ردة فعل الحكومات في دول أوروبا البرلمانية عندما يقال لهم، رغم أنكم حصلتم على ثقة أغلبية أصوات ممثلي الشعب، فإن مصدر سلطة الوزراء عندكم هو الملك/الملكة، وهؤلاء الوزراء يحكمون بتفويض منه أو منها، وقد أفتى بذلك نائب وازن دكتور في الأردن!! في ظني أن كل وزير في هذه الدول، سوف يسكت برهة وهو كاتم غيظه، وبعدها يقول، لا حول ولا قوة بالله على هذا النائب الوازن الدكتور الأردني، ألا يعلم بأن دول أوروبا قدمت الكثير من الضحايا لتصل إلى عكس ما يقوله هذا الأردني، ثم ألم يطلع هذا الأردني على المواد (45، 47، 51) من دستور وطنه التي أخذت بحروفها من النصوص الدستورية التي تحكم نظمنا البرلمانية!!

لا يا أبناء وطني، إن الدستور ينبغي أن يحظى بأقدس درجات الاحترام، وكل نص فيه ملزم للسلطات والمواطنين على حد سواء، ومن ثم فلا يجوز لأحد مهما علا موقعه الوظيفي أو الاجتماعي، أن يتعاطى مع نصوص الدستور على هواه، أو يعطي لها مدلولات ليست منها. ويكفي ما سبق أن أُعطي لنصوص الدستور من تفسيرات تم تفصيلها على مقاس الحكومات أو أجهزتها أو غيرهم من أصحاب النفوذ، تقرباً لنيل الرضى أو متاجرة لقبض الثمن، وقادتنا إلى ما نحن فيه من سوء حال.

15. وعود على دستورنا الأردني، فقد كان عند صدوره عام 1952 نموذجاً للدستور البرلماني، لكن التعديلات التي أجريت عليه، زادت من سلطة الحكومات، ومكنتها من التغول على ما عداها، وألحقت به التشويه، وأخلت بالتوازن الذي كان قائماً بين أحكامه عند صدوره. وحتى الحقوق والحريات التي لم يطالها التعديل في دستورنا، أفرغت من مضمونها بموجب تفسيرات على المقاس، أو بموجب قوانين مؤقتة أو دائمة صدرت على نحو مخالف لهذا الدستور. وتحولنا إلى دولة أمنية بدلاً من أن نكون دولة مدنية. وصاحب هذه الردة عن الدستور، خلق بيئة اجتماعية وسياسية يسيطر عليها الخوف، وطفا على السطح إعلام يتقن الهتاف والمديح، فدجنت الأقلام، واهتزت قيم المجتمع، وغُيّب الرأي الناقد لسلوك الحكومات، بعد أن تم تصنيف المواطنين إلى موالين وغير موالين، وحرم الوطن من كفاءات الكثير من أبنائه، فانتشر الفساد، واستشرى عند من يتسترون بجلباب الولاء، واستبيحت أراضي الدولة ونهب المال العام، وغدت المفاتيح المحركة لمسار السياسة حكراً على الأمني والمناسبين لمقاساته، لنصبح دولة أشخاص وليس دولة قانون ودستور. ولولا الرياح العاصفة القادمة من بلاد الثورات العربية، لبقي صوت من يجأر بالشكوى صوتاً نشازاً يوصف صاحبه بأنه صاحب أجندة خاصة، أو يعاني من البطالة السياسية، أو له علاقات مشبوهة مع الخارج، إلى غير ذلك من التهم الجاهزة التي كانت تتكرر صباح مساء، وتقتات على تكرارها أقلام وأبواق بعينها لا تعرف غير الانتماء لجيوبها ومصالحها.

إن الإصلاح الذي طلب جلالة الملك من الحكومة أن تقوم به، شامل لجميع المجالات، وينبغي أن نبدأ دون تأخير، نبدأ بإعادة نصوص جوهرية كما كانت إلى دستورنا، وحذف النصوص التي تكفلت بتشويهه، وإصدار قوانين جديدة للحريات، بمضامين تعكس حقيقة ما أوجبته النصوص الدستورية، واتخاذ الخطوات اللازمة لإعادة الأموال العامة التي نهبت ومحاسبة الفاسدين. ينبغي أن نبدأ بثورة بيضاء تنفذها الحكومة بتوجيه من جلالة الملك، لنصبح دولة مدنية يحكمها دستور وقانون، ونسبق أية سقوف للمطالبات القادمة مضامينها من بلاد هبات وانتفاضات، رغم اختلاف واقع نظام الحكم عندنا عن أنظمتها السياسية والدستورية.

يكفي أن نعلم بأن تلك الهبات والانتفاضات تطالب بنظام حكم برلماني، في حين أن نظامنا في الأردن برلماني، دستوره عريق وأصيل، لكننا استسهلنا الإساءة إليه. وقد آن الأوان لنطوي صفحة الماضي، ونعيد دولتنا إلى الحيوية التي يستحقها شعبها، والعود إلى الحق فضيلة.


أ. د. محمد الحموري

أسطورة الإصلاح في الأردن! - دكتور خالد سليمان


في أدبيات الفكر الديمقراطي، ثمة مفهوم يقال له "الدمقرطة الدفاعية"، يراد به  جملة الإجراءات التي تتقنع بشعارات الديمقراطية والانفتاح، التي تلجأ البلدان المتخلفة سياسياً للاحتماء بها عند تعرضها للأزمات. وفي حقيقة الأمر، لا تعدو تلك الإجراءات كونها أكثر من محاولات شكلية وسطحية وهامشية ومجتزأة، لا يراد منها إلا تنفيس الاحتقان الشعبي وإخماد غضب الرأي العام. ساعة إثر أخرى، ولا أظنني أبالغ عندما أستخدم الساعة وحدةً للحديث، وكلما تمليت في طبيعة الإجراءات التي تم ويتم اتخاذها حتى الآن في الأردن بزعم الإصلاح، يتعاظم يقيني بأن تلك الإجراءات لا تتجاوز حدود ذلك المفهوم، فالمؤشرات السلبية المحبطة تتتالى وتتدافع بإلحاح وقح، مغلقة كل طاقة من أمل، ومطفئة كل بصيص من نور، لتؤكد بأن حكاية الإصلاح في الأردن هي مجرد فيلم هندي سيء السيناريو والتمثيل والإخراج، مع فارق أساسي عن معظم الأفلام الهندية، وهو أنه لن ينتهي نهاية سعيدة على الإطلاق!

لم يكن أحمقاً أبداً من قال يوماً بأن فاقد الشيء لا يعطيه، غير أن من عُهد إليهم بملفات الإصلاح في البلد يحتاجون هم أنفسهم إلى الإصلاح في معظمهم. أما الصالحون منهم والذين تترفع صحائف أعمالهم عن مستوى الشبهات، فإنهم يحملون، على ندرتهم، أدمغة تنتمي إلى عصور الإقطاع أو ما قبلها، والإصلاح الديمقراطي الجدي بالنسبة لهم هو بدعة وضلالة، ينبغي مقاومتها وقصقصة ألسنة القائلين بها وأجنحتهم. فأحدهم يعتقد أن الإصلاح يحتاج إلى ثلاثين سنة للتحقق، وآخر يعتقد أن إصلاح النظام يعني الوطن البديل، وثالث يظن أن الملكية الدستورية ستهوي بالدولة... الخ، فعن أي إصلاح بربكم تتحدثون، وقد وضع الإصلاح بأيدي ثعالب أو ديناصورات أو سلاحف!

أما مجلس النواب العتيد الذي لا أدري لمَ لم يتم حله حتى الآن، الذي يفترض أن يكون صاحب الكلمة الفصل بشأن توصيات ومقررات اللجان الاعتباطية التي شكلت بغرض الإصلاح، فندرك جميعاً بؤسه وهشاشته وافتقاره إلى الشرعية، إن لم يكن بسبب ما شاب الانتخابات التي أفرزته من اختراقات وتعديات على القانون، فبسبب استنادها إلى ذلك القانون الضبابي الأخرق المغلف بالدوائر الوهمية، كحال الإصلاح نفسه. وإذا تناسينا ذلك كله، فإن تصويته القطيعي الفاضح لصالح الحكومة الرفاعية الخائبة التي أسقطها الشارع بعد أيام من تشكيلها، يكفي لأن يكون مسوغاً وجيهاً لتجريده من أي شرعية شعبية يدعي حيازتها.
وفيما يتصل بلجان الإصلاح، وما أدراك ما لجان الإصلاح، فقد افتقرت جميعها إلى ما ينبغي توافره في اللجان التي يمكن أن يعلق عليها الكثير من الآمال. فإما أنها شكلت من عناصر محنطة تدور في الفلك الرسمي وتردد صدى توجيهاته ورؤاه، مهما تظاهرت بالاستقلالية والحيدة، وإما أنها لم تراع قواعد الديمقراطية والتعبير عن سائر الأطياف والتيارات الوطنية في تشكيلها. ويكفيها نقيصة أنها تورطت بالإعلان عن أسماء أعضائها دون استشارتهم، وفي ذلك ما يعكس المستوى المهين من احترام الحكومة لتلك الأسماء؛ إذ تصرفت وكأنها كانت تثق بأنهم سيسارعون إلى الزحف على ركبهم لنيل ذلك الشرف الرفيع، وهو ما حدث بالفعل ـ مع استثناء نخبة من الرجال الكبار ـ في بلد يزدحم بالأفاقين والباحثين عن المواقع والأضواء، الذين حرد بعضهم في مرحلة لاحقة في تمثيلية بائسة يراد منها حفظ ماء الوجه، بعد أن كشفت الحكومة وجهها الحقيقي في واقعة "بلاط الجهلاء" الشهيرة التي لا يمكن أن تنسى على دوار الداخلية،  لكنهم سرعان ما نكصوا على أعقابهم وعادوا إلى مخادعة أنفسهم وإراقة ما تبقى من مياه وجوههم، محاولين إقناعنا وإقناع ذواتهم بأنهم لا يشاركون في مهزلة لا تهدف إلا إلى خلط الأوراق وكسب الوقت وتبديد سخط الناس!
عقب ذلك، لم يكد يمر يوم إلا وتأكد فيه لكل ذي بصر وبصيرة سخف المزاعم المتحدثة عن الإصلاح وعدم جديتها؛ إذ لم نتوقف عن رؤية القطعان الهمجية من أصحاب السوابق والمرتزقة والعنصريين والجهلة تزعق في الشوارع وإذاعات السوء ومواقع الفتنة بسكاكينها وبنادقها وخطاباتها الغثة، والحكومة مغتبطة منتشية مباركة لها. كما لم نتوقف عن مراقبة ترهيب شرفاء الوطن وصحفييه، بتواطؤ حكومي سافر لا يمكن لأحد إنكاره أو الدفاع عنه. ثم قيض لنا أن نرى فتح بعض ملفات الفساد الصغيرة بصورة انتقائية مغرضة، تكاد تتصيد وحسب بعض الفاسدين ممن لا ظهر لهم، وتضرب الصفح عن التطلع جهة الأسماء الرفيعة "المقدسة"، التي ستظل عصية على المساءلة والحساب!

ثم كان لنا أن نسمع من الأخبار نبأ انضمامنا المذهل إلى ما يعرف بمجلس التعاون الخليجي، وكأن الشعب قطيع من الأغنام أو الأبقار يسيّر من غير حول ولا قوة، ولا حاجة لاستفتاء توجهاته أو استمزاج رأيه.  فقطر التي أشبعناها شتماً وردحاً قبل أشهر قليلة خلت، بدعوى أنها في مقدمة المتآمرين ضدنا، وجدتنا اليوم بقدرة قادر نأخذها بالأحضان، بعد أن غدت الحبيبة التي ستسهم في فتح بوابات الجنة الخليجية أمامنا! والشعب طبعاً آخر من يعلم، وليس له إلا أن يصفق ويهلل اغتباطاً بالإنجاز التاريخي العظيم، الذي ما جاء إلا ليجعل من أبنائنا وقوداً في المزيد من المعارك الارتزاقية لحماية أنظمة فاسدة مهترئة، لقاء حفنة من الدراهم يسرقها الأوغاد وخفافيش الظلام!

وبالأمس فقط، أسعدتنا الحكومة بخطوة إصلاحية جبارة أخرى تمثلت في التنكيل بالخارجين في المسيرة السلمية التي انطلقت مطالبة بحق العودة ومناهضة جريمة الوطن البديل، وهو ما يمثل الدليل الواحد بعد الألف على عزمها الراسخ الذي لا تلين قناته عن تحقيق الإصلاح، وحسب أرفع المعايير االكونية!
مع احترامي ومحبتي للإخوة الذين قاموا على تنظيم مسيرة العودة وشاركوا فيها، إلا أنني أظن أنهم تاهوا عن الطريق الصحيح، فقد كان عليهم أن يوفروا جهودهم ويتوجهوا إلى الدوار الرابع ويعتصموا أمامه دون تزحزح، إلى أن تسقط الحكومة، ويقرر أولو الأمر البدء بإصلاحات جدية، إصلاحات لا لجان شكلية فيها، ولا بلطجة، ولا تدخلات أمنية، ولا ديناصورات منقرضة، ولا أسماء فاسدة، ولا وجوه قرفناها هي وأولادها، إصلاحات لا خنوع أو تبعية أو استجداء فيها لقوى الغرب والشرق. ففيما أزعم، فإن فلسطين لن تتحرر يوماً ولن يعود أهلها إليها إلا عندما تختفي الحكومات العربية الفاسدة "الصديقة" للكيان الصهيوني اللعين، والمذعنة لمن يقف خلف وجوده ودعمه!
sulimankhy@gmail.com
د. خالد سليمان

الملكية الدستورية وأوهام الوطن البديل!


لا أظن أن الأوطان يمكن أن تختفي من على خارطة الوجود، وإذا ما حدث واختفت بالفعل، وكأنها كانت مجرد فقاعة صابون، فإنها لم تكن جديرة بالوجود من الأصل! لكن المؤسف والمعيب والمخيب حقاً أن نجد بين  ظهرانينا من يفكرون ويتصرفون بالفعل وكأنهم يعتقدون أن وطنهم قيد الأفول، فنراهم يتصايحون ويندبون ويلطمون، وكأن الأردن على شفى حفرة من الانتهاء والاختفاء، بعد أن ربطوا ربطاً حتمياً متعسفاً وأخرقاً بين تحقق الملكية الدستورية فيه وبين تلاشيه، متوهمين أن من شأن ذلك تحويله إلى وطن بديل لغير أبنائه! فهل سمعتم بربكم بأسخف من هذا الطرح وأبأس منه!؟
دعوني أتوقف قليلاً عند مفهوم الملكية الدستورية، الذي يشغل مكانة محورية متصدرة في أي نظام ملكي يريد أن يكون جديراً حقاً بشرف تسميته بالديمقراطي. الملكية الدستورية، ببساطة شديدة، وكما هي الحال في كل الملكيات الدستورية الديمقراطية في العالم، مثل بريطانيا وإسبانيا وهولندا والنرويج والسويد...الخ، تعني أن يكون الملك رمزاً متسامياً للوطن والأمة، يحتضن بعين الحياد والمباركة الروحية كل مواطنيه، بحيث يظل بوصفه الضامن المعنوي لوحدتهم راعياً مهيباً محبوباً معززاً مكرماً، لا يتأذى بغبار مناوشات السياسة وصراعاتها وتنافس أهلها على السلطة، فيَمثُل عراباً حامياً لدستور ديمقراطي يؤكد للشعب حرية اختيار ومراقبة ومحاسبة من يمثله ومن يحكمه، على قاعدة التبادل السلمي الودي للسلطة. وكنصيحة، إذا كان أحد القراء لا يؤمن بمثل ذلك المفهوم، فليتوقف مباشرةً عن المضي في القراءة، فقد لا يكون هذا المقال مخصصاً لأمثاله من الذين يفضلون العيش في مفاهيم القرون الوسطى وظلماتها!
إنني أستغرب حقاً موقف البعض، فبينما نجدهم يبحّون أصواتهم بالدعوة إلى استحضار الديمقراطية، نلقاهم يناهضون مفهوم الملكية الدستورية ويناصبونه العداء، وهو ما يعني إما عدم فهمهم معنى الديمقراطية، أو رفضهم لها في واقع الأمر؛ ما يجعلهم بالضرورة أسرى حالة عصيبة مستعصية من التشظي والانفصام، سياسياً وفكرياً وأخلاقياً. فالديمقراطية الحقيقية يستحيل أن تتحقق إلا بملكية دستورية حقيقية، وخلاف ذلك من القول بتغليب الملكية المطلقة، يعني التلفيق والتحايل والسعي العبثي للجمع بين متناقضات لا يمكن الجمع بينها! وربما كان من المفيد هنا أن أذكّر بمعنى مفهوم الديمقراطية، الذي يشير في أجلى دلالاته وأشهرها وأهمها إلى أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، فهل يمكن أن يتحقق ذلك والشعب يصحو على استقبال رئيس وزراء يهبط عليه من غامض علم الله، وينام على توديع آخر كان قد هبط أيضاً من غامض علم الله!
في الولايات المتحدة الأمريكية، قد لا يشكل الأمريكيون من أصول إفريقية، أي السود، إلا ما قد يقل عن سُبع السكان، ولكن الديمقراطية التي ينعم بها الناس هناك ـ بالرغم من كل ما يمكن أخذه عليها ـ جعلت رجلاً أسوداً من أب كيني مسلم يصل إلى أعلى المناصب التنفيذية في الدولة! فلماذا لا نتعلم من ذلك الدرس البليغ في الأردن، ولماذا لا نتذكر بأن الديمقراطية التي نتشدق جميعاً بالمطالبة بها تكفل لجميع المواطنين، على اختلاف مشاربهم وأروماتهم، وبعيداً عن دعوات المحاصصة الرذيلة، الحق في أن يشاركوا وينافسوا على إشغال المناصب العامة وتشكيل الأحزاب والحكومات، وكذلك ترؤسها، دون أن يصيروا هدفاً لنظرات الاتهام وسهام التحقيق والتشكيك والتعويق. وفي كل الأحوال، لا أظن أن أحداً يفكر ـ باستثناء أحمق أعمته العنصرية ـ بأن ممارسة مواطنيه، أياً تكن أصولهم ومنابتهم، لتلك الحقوق الديمقراطية الدستورية المشروعة، يمكن أن تعني أو تفضي إلى إلغاء وجود البلد بجرة قلم، ووضع لافتة جديدة باسم مغاير على أراضيه!
لماذا لا يريد البعض أن يفهم أن الدول الديمقراطية المتحضرة التي تستحق الحياة لا تهتم بالخلفيات الجغرافية لمواطنيها، ولا تُعنى بتاتاً بالنبش عن جذورهم، وأن ما يهمها وحسب هو التزامهم بالقوانين الديمقراطية التي تقوم على مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، حتى وإن كان آباؤهم وأجدادهم قد جاءوا من كوكب المريخ!؟ ولماذا لا يريد البعض أن يدرك أن ما هو مهم توافره في أي موظف عمومي، سواء أكان نائباً أو وزيراً أو عسكرياً أو قاضياً أو معلماً، أو أياً تكن وظيفته، بل في أي مواطن عموماً، هو التحلي بالنزاهة ونظافة اليد واحترام الناس والالتزام بالقانون، وليس مهماً أبداً أن يكون ابناً لهذه المنطقة أو العشيرة أو العائلة أو تلك!؟ ولماذا لا يريد البعض استيعاب حقائق بسيطة واضحة يجمع عليها العالم كله اليوم، ونراه يغمغم بلسان رجل الكهوف المعتمة الذي لم يصله نور الحضارة، وحكم على نفسه بأن يعيش فزعاً متوجساً يتوهم بأن الجميع يتآمرون عليه وعلى هويته لإبادتهما ومحوهما من صفحات الكون!؟
إن أصحاب ذلك المنطق الخائف المريض يسيئون للأردن قبل أن يسيئوا لأنفسهم لو يعلمون، فالأردن ليس بتلك الهشاشة التي يصورنه بها بصورة ضمنية، وبوعي أو بدون وعي، وهو لن يختفي حتماً من رقعة الوجود مهما ازدادت أعداد مواطنيه وتنوعت أصولهم وتعددت. ولن أتحدث طويلاً هنا عن وحدة الأصول وتشابك الجذور وتمازج المنابع للأردنيين، فبعض العنصريين المؤمنين بمزاعم نقائهم العرقي يرون في ذلك مجرد هراء، دون أن يفطنوا إلى أنهم ينحدرون هم أنفسهم من نفس أصول أولئك الذين يطالبون بسحب جنسياتهم وطردهم الآن!
ألا حقاًَ إن الجاهل العنصري عدو لنفسه، قبل أن يكون عدواً لأهله ووطنه!

 د. خالد سليمان
sulimankhy@gmail.com

الملكية الدستورية … رؤية موضوعية - عدنان الروسان


الجدل المحتدم بين فئات المجتمع الأردني حول الملكية الدستورية غالبا مايتسم بالسطحية والإنحياز العاطفي دون الولوج في نقاش معمق حول ماهية ذلك الحكم وامكانية تطبيقه في الأردن من عدمها ، أما عن الملكية الدستورية ، فهو ذلك النظام الذي يملك فيه الملك ولا يحكم ، بمعنى أنه ملك لا نزاع على أحقيته في حكم البلاد وتوريث أبنائه من بعده ، كما أنه يكون الحارس الأمين على دستور البلاد وأن لا تبغي أي من السلطات الثلاث على بعضها البعض وبالتالي فإن الدور الذي يضطلع به الملك في الدستورية الملكية دور هام للغاية بل إنه الدور المحوري الذي يحفظ للدولة تماسكها ووحدتها وهيبتها ، وهذا ما نجده في كل الملكيات الأوروبية مثل بريطانيا وهولندا وأسبانيا وغيرها  ، وكون الملك لا يحكم فإن ذلك لا يعني أنه يعيش حياة بسيطة او متواضعة بل يفرد له في الموازنة العامة للدولة من المداخيل مايكفي من المخصصات كي يعيش حياة كريمة تليق بالمنصب وتكفل له وللأمراء عيشا رغيدا حسب ماهو حاصل في كثير من الملكيات الأوروبية او كلها .

من ناحية ثانية فإن الملكية الدستورية تنتزع من الملك الكثير من الحقوق الشخصية والعائلية ، ففي الملكية الدستورية يكون الملك مضطرا أن تكون موارده المالية مكشوفة ولا يمكنه الحصول من خزينة الدولة على أي مخصصات غير تلك التي تقررها الحكومة ولا يمكن زيادة تلك المخصصات الا بإذن من مجلس النواب المنتخب ، كما أن على الملك أن يستأذن رئيس الحكومة في السفر والوجهة التي سيذهب اليها سواء في الزيارات الرسمية أو الخاصة ، كما أنه أي الملك لا يتمتع بأي صلاحيات تنفيذية غير قبول استقالة الحكومة وتكليف الحزب الفائز في الإنتخابات بتشكيل الحكومة الجديدة كما يحق له حل البرلمان في ظروف معينة ومحددة من الدستور.

إن الملكية الدستورية تعتبر نظاما جيدا يكفل من جهة استقرار الحكم وطمأنينة العائلة المالكة التي غالبا ماتحظى بشعبية كبيرة جدا في ظل الحكم الدستوري حيث ان الحكومة هي التي تتعرض للنقد والتوبيخ من قبل الشعب في حالات التذمر الشعبي والشكوى ـ ولا يطال الملك اي نوع من أنواع المؤاخذة القانونية أو الدستورية أو الشعبية حتى ، و في ظل النظام الملكي الدستوري فإن شبه الفساد التي يروج لها الكثيرون تنتفي تماما ولا يمكن لأحد أن يوجه اصابع الإتهام الى الملك أو أي من أفراد العائلة المالكة لأن النظام لا يسمح للعائلة بأي نوع من التجاوزات ولا تتوفر الأليات القانونية او الدستورية التي تسمح للملك بالحصول على أي مزايا شخصية اضافية غير تلك التي ينص عليها الدستور والقانون .

إذن فالملكية الدستورية  لاتنتقص من قيمة الملك والعائلة المالكة الدستورية والشعبية ولكنها تحد من صلاحياتهم القانونية ونفوذهم كثيرا ، ومن هنا فإن المنتقدين للملكية الدستورية إنما ينطلقون من نزعات عاطفية كما أسلفنا  ، ويحملون الأمر على محمل عشائري وكأن الملك شيخ عشيرة لا يجوز المساس بسلطاته المطلقة و غير المقيدة ، غير أن الملك أكبر بكثير ودوره أهم من دور شيخ العشيرة إنه قائد للدولة ، وهو يعلن الحرب ويعقد الصلح والسلم ، صحيح أن الحكومة هي التي تنسب بذلك ولكنه يشكل صمام الأمان والعين الساهرة على تطبيق الدستور وينحاز بدون تردد الى مصلحة الوطن بكل مكوناته السياسية دون تفرقة فهو فوق القانون والدستور مادام يحترم القانون والدستور ، وهو فوق شبهات الإنحياز أو التحزب مع جهة ضد أخرى.

أما إذا نظرنا الى الوضع في الأردن ، ورغم أن النظام الملكي فيه قد استطاع أن يحافظ على مدى ستين عاما تقريبا او يزيد على وحدة البلاد وتمكن أيضا من الإنتقال بالمجتمع الأردني من مجتمع بدوي الى مجتمع مدني يتمتع بأسباب الحضارة الحديثة من تعليم وصحة وخدمات وبنى تحتية جيدة ، إلا أن النظام عانى وعلى مدى عقود طويلة من تيارات المعارضة الوطنية التي ترى في السلطات المطلقة المفوضة للملك نوعا من تقييد حقوق الشعب او مصادرتها ، وهذا سبب نوعا من سوء الفهم المزمن بين النظام وشرائح كبيرة من الشعب ، لايمكنهم جميعا أن يعبروا عن ارائهم في هذا المجال بسبب الخوف من اتهامهم بأنهم ضد النظام وتعتبر هذه التهمة من التهم الكبيرة في القانون الأردني ، ورغم الحريات الكبيرة التي يتمتع بها الأردنيون في التعبير والكتابة والنشر الا أن الخوف من البوح بالأراء المعارضة مايزال متأثر بزمن الأحكام العرفية الذي انتهى منذ أكثر من عقدين من الزمن .

السياسيون من صحافيين واعلاميين ونواب وأعيان الذين يهاجمون كل من يدعو الى ملكية دستورية تنطلق اما من منطلق النفاق الإجتماعي السياسي الذي يتقرب من النظام والأجهزة بهذا الدفاع وتسجيل مواقف ربما يؤجرون عليها بمراكز ووظائف وعطايا ورضى يفضي الى محبة تفضي الى تقرب يفضي الى حقيبة من المال او حقيبة وزارية ، وإما خوفا من أن تكون المعارضة وبالا عليهم أو على أولادهم في منعهم من التعيين او الإرتزاق او حتى المساءلة القانونية او غير القانونية وهكذا فإننا نعود للقول ان مناقشة الموضوع يتم دائما بعيدا عن الموضوعية وتحت الكثير من الضغوط النفسية والأرث الإجتماعي والسياسي الذي يصعب على كثير من الأردنيين التخلص منه حتى الآن .

صحيح أن الملكية الدستورية قد تطيح بالكثير من المزايا والحقوق التي يتمتع به الملك والعائلة المالكة فيما إذا تم اعتماد النظام الدستوري في الأردن إلا أن العائلة المالكة سيكون لها رصيد شعبي هائل ، وقد تكون العائلة المالكة الأكثر تأهيلا للعب أدوار قومية في المنطقة والإقليم لما تتمتع به من نسب ومشايعيين لهذا النسب يشكلون الغالبية الساحقة في المجتمع العربي وهو نسب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، ومن هنا لإغن الذين يهاجمون كل من يدعو أو يناقش الملكية الدستورية لا يمثلون تيارات محبة للملك في الحقيقة بقدر ماهم تيارات من المرتزقين والمنتفعين من مزايا النظام القائم حاليا .

بين الملكية المطلقة والملكية الدستورية الأمور جد واضحة ، و سيكون من المحتم على الأردنيين أن يدخلوا في نقاش حول هذا الموضوع لأن دفن الرؤوس في الرمال لا يفيد ولا يحمي من العواصف ، والمحبين للنظام يجب ان يكون ناصحين مخلصين صادقين لا مدافعين عن امتيازاتهم وربما فسادهم الذي يتوقعون أن يعود عليهم بالدمار والوبال فيما إذا تمكنت السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية من استخدام صلاحياتها الكاملة وبدأت بالمحاسبة للذين سرقوا ثروات البلاد والعباد واحتموا بدوائر الكومسيون السياسي الذي احتمى ببعض دوائر النفوذ السياسي الذي أوهم الشعب طويلا بأنه محمي من فوق وهو ليس كذلك.

 عدنان الروسان