لهيئة الوطنية لمتابعة الملكية الدستورية المكتب التنفيذي
مبادرة الملكية الدستورية
تعريف عام ومختصر:
الملكية الدستورية مفهوم سياسي نشأ لحل مشكلة مزمنة من مشاكل التطور في الدولة الحديثة. إذ أثبتت الخبرة البشرية أن تركز السلطة في يد شخص واحد ليس حلاً لمعضلات الدولة الحديثة، بل أصبح مدخلاً للعديد من الشرور.
ولما كانت كل الأنظمة السياسية في بدايات عصر النهضة في الغرب، أنظمة ملكية، قد تعرضت لضغوط كبيرة، بسبب عدم قدرة النهج المركزي للسلطة على حل مشاكل الدولة، وحيث أنّ السمة المركزية أن تكون الدولة أداة تمكن المجتمع من التقدم، وأن تبقى تعبيراً عن القيم السامية، فقد لجأت العديد من الدول لتغيير شكل النظام، واستبدال النظم الملكية بنظم جمهورية. إلا أن الدموية التي ترافقت مع عمليات تغيير الأنظمة من ملكية إلى جمهورية، دفع إلى ابتكار صيغة جديدة، تلغي ضرورة تغيير نظام الحكم، عن طريق الحفاظ على شكل الحكم ملكياً، ولكن مع تغييرات جوهرية في نهج ممارسة السلطة، وإلغاء تركز السلطات، والتحول نحو القواعد الدستورية والقانونية، وفك ارتباط الملك بالسلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية. فعملية فك ارتباط الملك بهذه السلطات، وضمان التداول عبر صناديق الاقتراع هو الذي ألغى ضرورة التحول من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري. وأصبحت النظم الملكية تحظى بميزة على النظم الجمهورية، وهي الجمع بين قيمة الفضيلة الضرورية لتعزيز العلاقات الانتخابية بين من يمارس السلطة والناس، وقيمة المرجعية الرمزية التي تمثل الركن المركزي لديمومة فكرة الملك في المجتمعات.
وأصبح الملك حسب فكرة الملكية الدستورية موقعاً يمثل رمزياً القيم العليا للدولة والمجتمع، ولكنه لا يتدخل في التفاعل والتطبيق اليومي لهذه القيم. وتمكنت مجتمعات الدول الأوروبية التي تحولت نحو الملكية الدستورية من أن تنهض، وتتقدم، بشكل موازي للنظم الجمهورية، وأحياناً تتفوق عليها.
إنّ تركز السلطة في العالم الثالث مكن من تحقيق بعض الانجازات السريعة. فأولوية مجتمعات العالم الثالث بعد الاستقلال كانت تحقيق تنمية سريعة، وتجاوز عقبات كبيرة تعترض مسارات التنمية. وبوقت قليل، وفاعلية قصوى في اعتراض العقبات التقليدية للنهضة والنمو. ولكن مع بدء مواجهة مشاكل إدارة المنجزات والحفاظ عليها، بدأت محدودية خيار تركز السلطة تظهر بشكل جلي.
فإدارة الدولة الحديثة، معقدة، وحفظ التوازن فيها مسألة لا يمكن لفرد، أو مجموعة أفراد إنجاز هذه المهمة مهما بلغت قدراتهم. إضافة إلى أن مركز السلطة أصبح بحاجة عملية ليفوض صلاحياته إلى آخرين. إنّ عملية اختيار من ينوبون عن الملك في ممارسة السلطة وبتفويض منه، أظهرت الحاجة لمراجعة النهج المركزي للسلطة. فقد ترافق ذلك مع فشل متتابع للحكومات، وفساد لا سابق له. مما دفع للتوقف ومراجعة النهج الذي تدار به الدولة، وعلى رأس الأولويات عملية اختيار الذين يديرون الموارد والسلطات. فلا يجوز أن يتم اختيار هؤلاء على أساس ولائهم لفرد، بل على أساس تفويضهم من قبل الشعب. فمن يتولى السلطة سوف يخدم من ساعده للوصول إليها، وإذا لم يكن الشعب هو صاحب القرار، وهو من يفوض الحكومات، فلن تخدمه حكوماته، لأنّ الحكومات ستخدم من يفوضها.
ولضمان أن لا تتكرر الأخطاء، وحتى نضمن سلامة النهج الجديد واستقراره، فقد أصبح من الضروري مراجعة النهج الذي تدار به السلطات الثلاث في الدولة، وهي التشريعية والقضائية والتنفيذية. إذ لا يمكن تقديم حل جزئي لمشكلة بنيوية. تتعلق بمنهجية إدارة الدولة، وطريقة تشكيل الحكومات واختيار الوزراء.
إن القول بأن الملك لا يجد من هو أكفأ وأنظف من الذين يعينهم في الحكومة، دليل على أن النهج الحالي يقدم للمواقع التنفيذية أشخاص غير مؤهلين، ودليل على أن الملك لا يستطيع أن يختار الفريق المناسب للحكم ممن أحاطوا به ومؤهلهم الوحيد أنهم يزايدون في سوق الولاءات. فلا بد من توفر معيار موضوعي لتحديد من يتولى السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية. والمعيار الموضوعي ينحصر في الثقة الشعبية العامة التي تقررها صناديق الاقتراع.
يضاف إلى ذلك أن تضارب المصالح بين المتطلبات الوطنية والشعبية للإصلاح، مع مراكز القوى التي ترشح للملك الوزراء والأعيان، والنواب الذين تزور الانتخابات لمساعدتهم للحصول على مقاعدهم في مجلس النواب، فمثل هذا التناقض جعل الحكومات ومجالس النواب تبدو صيغة محلية لإدارة خارجة عن إرادة الشعب، وليست تعبيراً وطنياً أصيلاً عن خيارات الشعب. وهذا يعد من بقايا النهج الاستعماري الذي أسس لمبدأ تركيز السلطة على الأمن والاستقرار القائم على القوة والعنف وأجهزة القمع وأزلام السلطة والمحاسيب.
وبسبب تزايد سطوة الأجهزة الأمنية على الحياة السياسية، مع تزايد أخطاء هذه الأجهزة، وعجزها عن حماية مؤسسات الدولة بشكل فاعل، وحتى لا يكون الملك موضع خلاف، ويتحمل مسئولية الفشل المتراكم، وانطلاقا من أننا لسنا أقل من شعوب الأرض الأخرى، من حيث المستوى الإنساني والوعي السياسي والشعور بالكرامة والحسن بالمسؤولية بالدفاع عن الوطن، إضافة إلى حقيقة عالمية وهي أن الفساد وهدر الموارد وهدر الطاقات الوطنية وتعطيل مسيرة التقدم كلها نتائج للاستبداد، وتركز السلطة.
وتأكيداً على أن الحقوق السياسية هي المفتاح لتحصيل وحماية كافة الحقوق، فقد قامت مبادرة الملكية الدستورية، ومنذ عدة سنوات بطرح صيغة وطنية أردنية، ونموذج وطني للملكية الدستورية حسب المبادئ التالية:
1- الملك رأس للدولة، وليس رئيساً للسلطات. وهو ضامن للقيم العليا للدولة،قائدا اعلى للقوات المسلحة وحارسا لسلطة الشعب. بحيث يكون ضامناً للحقوق، وليس مانحاً للامتيازات والمكارم. ومن شأن هذا التحول أن يكون الملك في منأى عن تحمل المسئولية عن ممارسات السلطة التنفيذية، وعن كل أشكال الفساد. والعقد الاجتماعي التاريخي، في كل الدول الحديثة، بما فيها الأردن، هو أن الملك (كما هو رئيس الجمهورية) وظيفة في خدمة الأمة والشعب وليس سيداً لها. واليمين الدستوري الذي يحلفه الملك حين يتولى السلطة هو أن يخدم الأمة لا أن يتملكها. والملك لكل المواطنين، وليس موضوعاً خلافياً بين موالين يسعن لقبض ثمن ولائهم، وآخرين.
2- الأمة مصدر السلطات. وهذا يقتضي أن يكون مجلس الأمة الذي يمثلها بشقيه (النواب والأعيان) منتخباً، وأن يكون سيداً سيادة كاملة غير منتقصة. بحيث يكون قادراً على مباشرة أعماله حال انتخابه، ولا يمدد له، ولا يحل ولا تعلق أعماله، ولا تفتتح دوراته أو تفض، ولا تراقب جداول أعماله ولا تقر من قبل سلطة تمثل وصاية على سلطة الأمة. فحالة مجلس الأمة، ليست سوية، حيث لا يمكن للمجلس المنتخب أن يمارس أعماله إلا إذا صدرت له الإرادة الملكية بأن يمارس سيادته، كما أن للملك الحق الآن بحل المجلس وتعليق الانتخابات، مما يعني إلغاء مبدأ سيادة الأمة وأن الشعب هو صاحب الشرعية. والانتقاص من هذه السيادة هو صيغة من صيغ الاحتلال الأجنبي، حيث كانت الإدارات الاستعمارية هي من يقرر صلاحيات المجالس التمثيلية وتوقيت وجداول أعمالها. فمثل هذه الحالة يكون فيها الملك بديلاً لكل الشعب، وهذا حال غير صحي، ويتناقض مع اليمين الذي يقسمه الملك، ويتناقض مع جوهر فكرة العقد الاجتماعي.
الأمة هي مصدر السلطات. فلا حرب ولا سلام دون موافقة مجلس الأمة. فالذي يتحمل وزر الحرب هي الأمة، والذي يصنع السلام هي الأمة. وحتى لا يكون أي من الخيارين تعبيراً عن إرادة غير إرادة الأمة لا بد أن يتحمل مجلس الأمة، الذي يعبر عن إرادتها الحرة قرار الحرب والسلام. وهذا يتضمن أن لا يتم إرسال أي فرد من قواتنا المسلحة بموجب أي اتفاقية دولية خارج الأردن إلا بموافقة مجلس الأمة.
3- لا سلطة تنفيذية دون صفة تمثيلية، وضرورة تحمّل السلطة التنفيذية المسؤولية الكاملة عن إدارة شؤون الدولة لها بلا استثناء. وهذا يقتضي أن تكون الحكومات منتخبة، ويمكن تنظيم الانتخاب بطرقٍ عديدة، فهناك انتخاب مباشر، وهناك انتخاب من قبل النواب، وهناك طريقة متبعة في العديد من الدول، وهي أن تتشكل الحكومة من الكتلة البرلمانية الأكبر.
ولكن أياً كان شكل الانتخاب، فمن الضروري أن يكون لدى المواطن معرفة واضحة بأنه حين يصوت يعرف من هم الذين سوف يمارسون السلطة التنفيذية والتشريعية لخدمته. المبدأ الذي يجب أن يكون واضحاً، هو أن أي صيغة لانتخاب الحكومة، يجب أن تنص بوضوح على أن المواطن يصوت لصالح فريق محدد ليتولى السلطة التنفيذية بتفويض من الشعب. ففي الملكيات الدستورية يكون لدى كل حزب حكومة ظل معلنة، وحين يصوت المواطن فإنه يعلم بوضوح من هو الفريق الحكومي الذي سيدير أمور الدولة، وما هي وجهات نظرهم تجاه الموضوعات الأساسية والرئيسية التي تهم الشعب وتمثل أولوياته.
وبخصوص السلطة التنفيذية لا مسئولية دون مسائلة. ولا سلطة دون محاسبة ومراقبة. فمن أمن العقوبة أساء التصرف والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة. وهذا يتطلب إلغاء كافة أشكال الحصانة التي يتمتع بها الوزراء. فمن غير اللائق أن يكون توجيه اتهام لوزير ما يتطلب موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب. يضاف إلى ذلك تحصين إضافي للوزراء حيث أنهم لا يحاكمون أمام المحاكم النظامية بل أمام مجلس خاص. وهذا انتقاص واعتداء صريح على سيادة السلطة القضائية، وتحت هذا الباب تم تحصين العديد من الفاسدين، ولم يتمكن شعبنا من معرفة الحقيقة. وبنفس الوقت هناك من يطالب بوضع قانون لمنع اتهام الوزراء، وتجريم من يتهم أي وزير. وهذا من جديد يحول الوزراء إلى مندوبين لقوة خارجة عن الشعب وإرادة فوق إرادة الشعب.
4- القضاء المدني العادل، ضمانة للعدالة. والعدالة إحدى القيم العليا المركزية الضامنة لديمومة الدولة. وهذا يقتضي أن يكون القضاء كله مدني وعلني. مما يتطلب العمل على الإلغاء الفوري لمحكمة أمن الدولة. ومنع محاكمة أي مواطن، غير منتسب للقوات المسلحة أمام محكمة عسكرية. كما أن تحرير القضاء من هيمنة السلطة التنفيذية ومن أي سلطة خارجية، أياً كان شكل هذه السلطة، ضرورة لحماية الدولة وحماية القضاء. فلا يجوز للقضاء أن يكون مسئولاً أمام أحد كائناً من كان، بل أمام سلطة الشعب. فالقضاء في خدمة الشعب وليس في خدمة أشخاص.
5- أولوية الحقوق والحريات. بحيث لا يصدر أي قانون، أو تعليمات تعيق تمتع المواطنين بحقوقهم الأساسية وحرياتهم العامة. وهذا يقتضي تشكيل محكمة دستورية، يكون قضاتها محل ثقة الجهاز القضائي ومحل ثقة الأمة، لتبت في القوانين الموجودة، وتحمي المواطنين من أي انحراف تشريعي مستقبلي. وهذا المطلب موجود في الميثاق الوطني الأردني، منذ ما يزيد على عشرين عاماً، وما زال يراوح مكانه بطريقة تشعر المواطنين بالإذلال، والعبث بمستقبل الأجيال.
6- تأمين ضمانات حقيقية ضد تزوير الانتخابات، وضرورة إيجاد قانون يتقدم بتكريس التنافس بين القوائم وأصحاب البرامج السياسية. وهذا يقتضي اعتبار التزوير جريمة خيانة عظمى، وهي صنو للاحتلال والتعامل معه وخدمته، فكلاهما يصادر الإرادة الحرة للأمة. وحيث أن الشعوب تعبر عن إرادتها عبر صناديق الاقتراع، فإن تزوير الانتخابات شكل من أشكال الاحتلال الأجنبي، وهو يخدم إرادة خارجة عن إرادة الأمة وخارجة عن إرادة الشعب.
7- الإقرار بالتعددية السياسية، وإرساء الحياة الحزبية الحرّة، وتكريس مبدأ تداول السلطة، بناءًَ على الخيارات الشعبية في الاختيار بين البرامج السياسية المطروحة لإدارة الدولة بشكلٍ عملي شامل لجميع مجالات الحياة، والاعتراف بكل أنواع التعددية الأخرى الدينية والمذهبية والعرقية، وضرورة إشراكها جميعاً في عملية بناء الوطن دون تمييز أو تفرقة على أي أساس من الأسس.
8- عدم جواز توظيف المال العام للحصول على الولاءات السياسية، لأي طرف سياسي، ودون أي استثناء. إن ربط الامتيازات والمكارم بالولاءات، يمثل اعتداءً صريحاً على فكرة الدولة، وتوظيفاً للمال العام للحصول على ولاءات ضيقة. القيمة العليا للدولة تتجلى بفكرة الحق وليس بالولاءات. الحق والواجب هما وجها العلاقة بين الفرد والدولة.
9- كل الأموال العامة يجب أن تخضع لرقابة مجلس الأمة. وهذا يقتضي توحيد كل مصادر الصرف، ومصادر التمويل بالموازنة العامة للدولة، وإلغاء التحصين الذي يلف وزارة التخطيط، وتحويلها إلى مديرية ضمن وزارة المالية. فهناك المليارات التي دفعت للشعب الأردني، وليس لشخص ما، وصرفت دون أن يعرف أحد أين ذهبت هذه الأموال. كما أن العديد من القروض، والعديد من القرارات الاقتصادية التي تتعلق بالثروات الوطنية تمت دون علم مجلس الأمة، ودون علم الشعب. ولا يجوز المس بمدخرات المواطنين، وموجودات صناديق الادخار والضمان الاجتماعي، والاعتداء عليها أو العبث بها، ويجب أن تخضع لرقابة الأمّة الصارمة.
10- الجيش وأجهزة الأمن هي مؤسسات وطنية، وجدت لخدمة الدولة ولضبط تصرفاتها وأدائها حسب القانون والدستور، وهي خاضعة لسلطة الشعب العامة. ومن هنا لا بد من التنبيه إلى ضرورة الفصل بين السياسي والأمني، ولا بد من كف يد الأجهزة الأمنية عن التدخل في الشؤون السياسية، أو في شؤون العمل العام بكل أشكاله.
وللتأكيد على أن الشعوب التي تفرط بحقوقها السياسية تخسر حقوقها الاقتصادية والثقافية وتفرط بهويتها، وثقافتها، فإننا نناشد شعبنا التيقظ والانتباه، لكل محاولات الفاسدين لإثارة النعرات وتغذية الانقسامات بين مكونات شعبنا. ولن نحافظ على الهوية الأردنية للدولة إلا إذا امتلك شعبنا حريته، واستعاد كامل حقوقه السياسية. فالوصاية لا تضمن الحقوق، ومن يقبل الوصاية فهو ليس حراً، وليس أهلاً للحق، ولن يكون حاملاً لهوية مكللة بالقيم العليا. وعليه فإن كل مكونات شعبنا مطالبة بالعمل المدني السلمي من أجل الإصلاحات الحقيقية دون تسويف أو تأجيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق