الأحد، 26 فبراير 2012

أسطورة الإصلاح في الأردن! - دكتور خالد سليمان


في أدبيات الفكر الديمقراطي، ثمة مفهوم يقال له "الدمقرطة الدفاعية"، يراد به  جملة الإجراءات التي تتقنع بشعارات الديمقراطية والانفتاح، التي تلجأ البلدان المتخلفة سياسياً للاحتماء بها عند تعرضها للأزمات. وفي حقيقة الأمر، لا تعدو تلك الإجراءات كونها أكثر من محاولات شكلية وسطحية وهامشية ومجتزأة، لا يراد منها إلا تنفيس الاحتقان الشعبي وإخماد غضب الرأي العام. ساعة إثر أخرى، ولا أظنني أبالغ عندما أستخدم الساعة وحدةً للحديث، وكلما تمليت في طبيعة الإجراءات التي تم ويتم اتخاذها حتى الآن في الأردن بزعم الإصلاح، يتعاظم يقيني بأن تلك الإجراءات لا تتجاوز حدود ذلك المفهوم، فالمؤشرات السلبية المحبطة تتتالى وتتدافع بإلحاح وقح، مغلقة كل طاقة من أمل، ومطفئة كل بصيص من نور، لتؤكد بأن حكاية الإصلاح في الأردن هي مجرد فيلم هندي سيء السيناريو والتمثيل والإخراج، مع فارق أساسي عن معظم الأفلام الهندية، وهو أنه لن ينتهي نهاية سعيدة على الإطلاق!

لم يكن أحمقاً أبداً من قال يوماً بأن فاقد الشيء لا يعطيه، غير أن من عُهد إليهم بملفات الإصلاح في البلد يحتاجون هم أنفسهم إلى الإصلاح في معظمهم. أما الصالحون منهم والذين تترفع صحائف أعمالهم عن مستوى الشبهات، فإنهم يحملون، على ندرتهم، أدمغة تنتمي إلى عصور الإقطاع أو ما قبلها، والإصلاح الديمقراطي الجدي بالنسبة لهم هو بدعة وضلالة، ينبغي مقاومتها وقصقصة ألسنة القائلين بها وأجنحتهم. فأحدهم يعتقد أن الإصلاح يحتاج إلى ثلاثين سنة للتحقق، وآخر يعتقد أن إصلاح النظام يعني الوطن البديل، وثالث يظن أن الملكية الدستورية ستهوي بالدولة... الخ، فعن أي إصلاح بربكم تتحدثون، وقد وضع الإصلاح بأيدي ثعالب أو ديناصورات أو سلاحف!

أما مجلس النواب العتيد الذي لا أدري لمَ لم يتم حله حتى الآن، الذي يفترض أن يكون صاحب الكلمة الفصل بشأن توصيات ومقررات اللجان الاعتباطية التي شكلت بغرض الإصلاح، فندرك جميعاً بؤسه وهشاشته وافتقاره إلى الشرعية، إن لم يكن بسبب ما شاب الانتخابات التي أفرزته من اختراقات وتعديات على القانون، فبسبب استنادها إلى ذلك القانون الضبابي الأخرق المغلف بالدوائر الوهمية، كحال الإصلاح نفسه. وإذا تناسينا ذلك كله، فإن تصويته القطيعي الفاضح لصالح الحكومة الرفاعية الخائبة التي أسقطها الشارع بعد أيام من تشكيلها، يكفي لأن يكون مسوغاً وجيهاً لتجريده من أي شرعية شعبية يدعي حيازتها.
وفيما يتصل بلجان الإصلاح، وما أدراك ما لجان الإصلاح، فقد افتقرت جميعها إلى ما ينبغي توافره في اللجان التي يمكن أن يعلق عليها الكثير من الآمال. فإما أنها شكلت من عناصر محنطة تدور في الفلك الرسمي وتردد صدى توجيهاته ورؤاه، مهما تظاهرت بالاستقلالية والحيدة، وإما أنها لم تراع قواعد الديمقراطية والتعبير عن سائر الأطياف والتيارات الوطنية في تشكيلها. ويكفيها نقيصة أنها تورطت بالإعلان عن أسماء أعضائها دون استشارتهم، وفي ذلك ما يعكس المستوى المهين من احترام الحكومة لتلك الأسماء؛ إذ تصرفت وكأنها كانت تثق بأنهم سيسارعون إلى الزحف على ركبهم لنيل ذلك الشرف الرفيع، وهو ما حدث بالفعل ـ مع استثناء نخبة من الرجال الكبار ـ في بلد يزدحم بالأفاقين والباحثين عن المواقع والأضواء، الذين حرد بعضهم في مرحلة لاحقة في تمثيلية بائسة يراد منها حفظ ماء الوجه، بعد أن كشفت الحكومة وجهها الحقيقي في واقعة "بلاط الجهلاء" الشهيرة التي لا يمكن أن تنسى على دوار الداخلية،  لكنهم سرعان ما نكصوا على أعقابهم وعادوا إلى مخادعة أنفسهم وإراقة ما تبقى من مياه وجوههم، محاولين إقناعنا وإقناع ذواتهم بأنهم لا يشاركون في مهزلة لا تهدف إلا إلى خلط الأوراق وكسب الوقت وتبديد سخط الناس!
عقب ذلك، لم يكد يمر يوم إلا وتأكد فيه لكل ذي بصر وبصيرة سخف المزاعم المتحدثة عن الإصلاح وعدم جديتها؛ إذ لم نتوقف عن رؤية القطعان الهمجية من أصحاب السوابق والمرتزقة والعنصريين والجهلة تزعق في الشوارع وإذاعات السوء ومواقع الفتنة بسكاكينها وبنادقها وخطاباتها الغثة، والحكومة مغتبطة منتشية مباركة لها. كما لم نتوقف عن مراقبة ترهيب شرفاء الوطن وصحفييه، بتواطؤ حكومي سافر لا يمكن لأحد إنكاره أو الدفاع عنه. ثم قيض لنا أن نرى فتح بعض ملفات الفساد الصغيرة بصورة انتقائية مغرضة، تكاد تتصيد وحسب بعض الفاسدين ممن لا ظهر لهم، وتضرب الصفح عن التطلع جهة الأسماء الرفيعة "المقدسة"، التي ستظل عصية على المساءلة والحساب!

ثم كان لنا أن نسمع من الأخبار نبأ انضمامنا المذهل إلى ما يعرف بمجلس التعاون الخليجي، وكأن الشعب قطيع من الأغنام أو الأبقار يسيّر من غير حول ولا قوة، ولا حاجة لاستفتاء توجهاته أو استمزاج رأيه.  فقطر التي أشبعناها شتماً وردحاً قبل أشهر قليلة خلت، بدعوى أنها في مقدمة المتآمرين ضدنا، وجدتنا اليوم بقدرة قادر نأخذها بالأحضان، بعد أن غدت الحبيبة التي ستسهم في فتح بوابات الجنة الخليجية أمامنا! والشعب طبعاً آخر من يعلم، وليس له إلا أن يصفق ويهلل اغتباطاً بالإنجاز التاريخي العظيم، الذي ما جاء إلا ليجعل من أبنائنا وقوداً في المزيد من المعارك الارتزاقية لحماية أنظمة فاسدة مهترئة، لقاء حفنة من الدراهم يسرقها الأوغاد وخفافيش الظلام!

وبالأمس فقط، أسعدتنا الحكومة بخطوة إصلاحية جبارة أخرى تمثلت في التنكيل بالخارجين في المسيرة السلمية التي انطلقت مطالبة بحق العودة ومناهضة جريمة الوطن البديل، وهو ما يمثل الدليل الواحد بعد الألف على عزمها الراسخ الذي لا تلين قناته عن تحقيق الإصلاح، وحسب أرفع المعايير االكونية!
مع احترامي ومحبتي للإخوة الذين قاموا على تنظيم مسيرة العودة وشاركوا فيها، إلا أنني أظن أنهم تاهوا عن الطريق الصحيح، فقد كان عليهم أن يوفروا جهودهم ويتوجهوا إلى الدوار الرابع ويعتصموا أمامه دون تزحزح، إلى أن تسقط الحكومة، ويقرر أولو الأمر البدء بإصلاحات جدية، إصلاحات لا لجان شكلية فيها، ولا بلطجة، ولا تدخلات أمنية، ولا ديناصورات منقرضة، ولا أسماء فاسدة، ولا وجوه قرفناها هي وأولادها، إصلاحات لا خنوع أو تبعية أو استجداء فيها لقوى الغرب والشرق. ففيما أزعم، فإن فلسطين لن تتحرر يوماً ولن يعود أهلها إليها إلا عندما تختفي الحكومات العربية الفاسدة "الصديقة" للكيان الصهيوني اللعين، والمذعنة لمن يقف خلف وجوده ودعمه!
sulimankhy@gmail.com
د. خالد سليمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق