السبت، 25 فبراير 2012

الملكية الدستورية- عدنان العطيات



ما زال الحوار يدور حول الملكية الدستورية في الاردن على قدم وساق سواء في الصالونات السياسية على مستوى النخبة او في الشارع الاردني على مستوى عامة الشعب. يتفق البعض ويختلف البعض على اطروحة الملكية الدستورية ولكل جهة نصيب من الصواب والخطأ, وهذا نصيب كل مجتهد, فالصواب والخطأ هي  طبيعة الاجتهاد, ولكن من المتفق عليه ان طرفي الحوار يريدون خير ومصلحة الاردن, اما الطرف الثالث في الحوار فهم المشككون في نوايا اطراف الحوار الرافضين لمبدأ الحوار في المقام الاول ولا يدعون من وسيلة لتعطيل هذا الحوار وجر الوطن الى غياهب الفتنة, والجميع يعلم اهداف هذا الطرف, فهو الطرف الخاسر الوحيد في معادلة الحوار والاصلاح في الاردن. ولن استفيض في نقاش حقيقة هذا الطرف في مقالي هذا, ولكن ما يهمني هنا هو الطرف الاول والثاني في معادلة الحوار    .

وهنا اريد ان اشير الى بعض النقاط التي ارى انها من الاهمية بمكان لمواصلة الحوار والوصول لنتائج من شأنها رفعة الاردن وعزة شعبه , ولفهم مبدأ الحوار حول الملكية الدستورية او حتى مجرد الاصلاحات السياسية او الاقتصادية في الاردن , يجب علينا ان نفهم عقلية الحوار في سايكولوجيا الشعب الاردني اولاً    .

     1-يمتاز الشعب الاردني بالعاطفة, فمعظم ردود افعالنا وقراراتنا تنبع من مبدأ عاطفي وعلى اساس ردود الافعال لا من مبدأ التفكير العقلاني او المقارنة والتحليل قبل اتخاذ قراراتنا ومواقفنا, وينطبق هذا للاسف على المواقف الرسمية للدولة في بعض الحالات, وقد دفع الاردن اثماناً باهضة مراراً عديدة نتيجة هذا النمط في التفكير واتخاذ القرار.    .

2-يمتاز الشعب الاردني بسرعة اتخاذ القرار, والتعنت لمواقفنا دون فتح المجال للنقاش اوتغيير أرائنا حسب المعطيات الجديدة في الرأي الاخر, فجهلنا بكثير من الحقائق وعدم دراسة خلفية النقاش بشكل مسبق يؤدي في كثير من الاحيان الى خطأ النتائج.

    3-شخصنة الحوار هي من أهم عُقد الشعب الاردني, ففي اي مستوى من النقاش حتى لو كان على مستوى ابسط امور الحياة اليوميية فاننا نلجأ الى شخصنة النقاش, فنأخذ ان من يخالفني الرأي هو يريد توجيه اهانة شخصية لي تمس بكرامتي وعزة نفسي, فنتبنى موقف الدفاع وايجاد المبررات او البحث عن اي ثغرة في الرأي الاخر لنبدأ هجوماً معاكساً على الرأي الاخر لأثبات صحة رأينا حتى لو كُنا مقتنعين بخطأ موقفنا وبالتالي خطأ النتيجة    .

ولك ان تستدل على ذلك من متابعة اي حوار بين اي اردنيَين اثنين في الشارع الاردني, فبعد تبادل خمس جُمل من النقاش يبدأ الصياح وحركة الايدي اللا ارادية ولا تستبعد الشتائم المتبادلة او حتى العراك بالايدي اذا استمر النقاش    .

 4-المزاوده في الفهم والعلم واختلاق حقائق لا وجود لها بالاضافة الى المبالغة وخلق المجهول وأستخدامه كوسيلة اثبات على صحة معتقدنا فنستشهد بشخصيات واقوال واحداث لا وجود لها على ارض الواقع.

وقبل ان اكمل النقاش هنا , اتمنى على القارئ الكريم ان يأخذ بضع دقائق لأستعادة بعض التجارب الشخصية في هذا الشأن,قبل الاستمرار في قراءة المقال.

والان لنعد الى موضوعنا الاصلي وهو الملكية الدستورية والاصلاح السياسي في الاردن.

في اكثر من موقف وتصريح  لجلالة الملك عبدالله الثاني , قال جلالته بأنه لامانع لديه من الانتقال للملكية الدستورية في الاردن, وأفترض هنا صدق النية والارادة في اقوال جلالته حيث لا يوجد لدي ما يدحض هذا الافتراض, فاذا كان جلالته لا يمانع هذا الطرح وهو الاولى به, فأني لأستغرب  ممن يزاودون على جلالة سيد البلاد فهل هم احرص من جلالته على سلطة العرش؟؟ ام هم يرون ما لا يراه صاحب العرش او هم على علم اكثر من علم جلالته؟؟

على اية حال فأن الطرح للملكية الدستورية او الاصلاح الدستوري والسياسي هي ليست قرآن منزل انما هي أجتهادات قابلة للنقاش والتعديل حسب ما تقتضيه الحاجة ومصالح الشعب الاردني فنحن لسنا ملزمون بالنموذج البريطاني للملكية الدستورية او اي نموذج اخر, فنحن لدينا في الاردن  جهابذة في القانون الدستوري والفقه الدستوري تتلمذت على ايدي بعض منهم عند دراستي للحقوق في الاردن , ولدينا ما يكفي من هؤلاء العلماء لصياغة التعديلات الدستورية المطلوبة بما يضمن بقاء الثوابت والمصالح الاردنية العليا مع التأكيد على مبادئ الديموقراطية والعدالة الاجتماعية ومبادئ فصل السلطات.

المهم هنا ان نفهم ان الاصلاح السياسي لا يعني اللون الاسود والابيض فقط ولكن هو حقل كبير يحتمل الوان اخرى وباب النقاش مفتوح فيه للاجتهادات والرأي والرأي الاخر, دون التشكيك بولاء او انتماء طرف على حساب الطرف الاخر.

من خلال مطالعتي للمقالات والتعليقات المنشورة في الصحف الاردنية لاحظت شبه اتفاق بين معارضي الملكية الدستورية وهو الخوف من خلخلة ميزان القوى الديموغرافية في الاردن وتمرير برامج العدو الصهيوني لفكرة الوطن البديل,او ان الانتخابات ضمن اطار الملكية الدستورية سوف تفرز الاخوان المسلمين كقوة رئيسية ومسيطرة على الساحة الاردنية, على هشاشة هذه الحجج وبعدها عن الحقيقة والواقع, الا انني سأفترض جدلاً بصحتها , وللناقش بعض الحلول المقترحة لعلاج هذه المشكلة.

اولا كما اسلفت نحن لسنا ملزمون بنموذج معين للملكية الدستورية , فمن الممكن على سبيل المثال الابقاء على مجلس الاعيان كمجلس معين من قبل جلالة الملك والحفاظ عليه كصمام امان في مواجهة اي خلل في البرلمان المنتخب او الحكومة المنتخبة, او كما هو معمول به في الولايات المتحدة يحتفظ الرئيس (في حالة الاردن هو جلالة الملك) بحق الاعتراض على القوانين التي يمررها الكونجرس (Veto power) ليكون هناك صمام امان اخر, فالقوانين لا تسري الا بعد توشيحها بالتوقيع الملكي.

ام التخوف من افراز الاخوان المسلمين فهذه مسؤولية الناخب الاردني, فاذا كنت لا ترغب بهم كممثل لك اذا عليك ان تمارس حقك او بالاصح واجبك الانتخابي وأن تدلي بصوتك لمن تعتقد بانه الافضل لتمثيلك في البرلمان.

اتمنى على القارئ الكريم العودة ودراسة لقاء سمو الامير الحسن بن طلال على قناة رؤيا الاردنية ففي هذا اللقاء مع سمو الامير الكثير من الفائدة والمعرفة وفهماً للحقائق التي ركز سموه على ابرازها في هذا اللقاء الرائع فهو يصلح ان يكون اجندة وطنية تنقل الاردن من مرحلة الخطر والتخبط الى شط الامان والاصلاح.

وهنا اريد ابراز والتأكيد على بعض الجوانب المهمة في حوار سمو الامير.

اولاً موضوع الهوية الاردنية, فقال سموه ان الدستور الاردني كان صريحاً في تحديد الهوية الاردنية ولا عبرة للأصول والمنابت وساق مثالاً على ذللك بان اختار نفسه فأشار بأن والده المغفور له بأذن الله جلالة الملك طلال ولد في مكة فهل هذا ينفي عن سموه صفة الاردني؟ وأشار كذلك الى ان غالبية الشعب الاردني ترجع اصوله الى الجزيرة العربية, فالاردني هو اردني الولاء والانتماء بغض النظر عن الاصول والمنابت.

ايضاً تحدث سموه عن مأسسة الدولة ومكافحة الفساد وأشار سموه الى قناعته الشخصية بوجود الارادة السياسية لمحاربة الفساد واستغرب سموه ممن يزاود على جلالة الملك في هذا الخصوص.ولم يرى سمو الامير اي مانع من وجود حكومات منتخبة في الاردن.

وهنا نعود بالسؤال مرة اخرى, هل معارضي الاصلاح احرص على مصلحة الاردن من سمو الامير وهو العالم المفكر الجليل؟ هل معارضي الاصلاح لديهم رؤية اشمل واوسع من رؤية سموه وهو حكيم الهاشميين؟ والله ان هذا لعجب العجاب....!!!

وفي النهاية اتمنى ان احصل على اجابة شافية لما يدور في ذهني من اسئلة.

لمصلحة من الابقاء على مؤسسة الفساد كأقوى واوسع مؤسسة في الاردن؟

لمصلحة من تغوّل الاجهزة الامنية على باقي مؤسسات الدولة, فدائرة تتبع لرئاسة الوزراء لها من السلطة والنفوذ اكثر وأكبر من سلطة رئيس الوزراء نفسه, وهذا ما اعترف به رئيس الوزراء الحالي معروف البخيت مشيراً الى حكومته السابقة؟

لمصلحة من اثارة الفتنة بين اطياف ومكونات الشعب الاردني؟

.عدنان العطيات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق