المكتب التنفيذي لمبادرة الملكية الدستورية
رسالة جوابية
إننا إذ ننطلق من رؤيتنا لمشاكل الأردنيين وآلامهم وآمالهم، نؤكد على أن تطلعاتنا هي التي تصوغ توقعاتنا، عن مضامين مسيرة الإصلاح وسرعة السير من أجل تحقيقها. والمنجزات والنتائج التي يريدها الأردنيون لمسيرة الإصلاح واضحة، وهي ليست حكراً لأحد، ولا رهينة للمساومة بيد أي جهة. فلقد عبر عنها الأردنيون بكل الوسائل الممكنة، وهم ينتظرون تحويلها إلى قرارات وأفعال، وليس ترجمتها لمبادرات.
وإننا إذ نثمن الإعلان عن التوجهات الإصلاحية التي أعلنت بالخطاب الملكي، فإننا نؤكد على أن الإصلاح المنشود، يحتاج إلى خطوات حاسمة، وقرارات نافذة، وليس مبادرات. فنحن المواطنون، نتقدم بمبادرات، وننتظر أن تتحول إلى قرارات حاسمة وناجزة.
وإننا إذ نتوجه إليكم، بهذا الجواب على خطابكم، نعيد التأكيد على أن المضمون الحقيقي للإصلاح الذي يرسخ الديمقراطية والمشاركة الشعبية ويحولهما إلى نهج ثابت، يبدأ بالعمل على إعادة توزيع السلطات المركزية على مؤسسات الدولة. ونسأل الله أن تنجز هذه الخطوة بقرار شجاع، يوفر الوقت، ويعيد توظيف الجهود في البناء للمستقبل، ويجنب الأردن الاحتمالات التي أشرتم إليها، والتي تنتج عن غياب الشجاعة والحزم في اتخاذ القرار، مما يؤدي إلى غياب صوت العقل، وطغيان الفوضى.
ونحن إذ نؤكد على أن معادلة جديدة لتوزيع السلطات بين مؤسسات الدولة الديمقراطية، هي الشرط الأساسي لضمان العدالة والعقلانية في آليات توزيع الموارد. إذ أن المطلوب لامركزية قائمة على أركان مؤسسية وليس على صيغ جغرافية. ونذكر بأن الشعب الأردني هو صاحب الشرعية وهو مصدر السلطة وهو صاحب السيادة على الأرض والمقدرات، ولن يقبل بان تقتصر مشاركته ودوره على الانشغال بالشئون البلدية والمحلية. فالأردنيون يرون أنفسهم ورثة مشروع دولة تعلقت منذ لحظات ميلادها بالقيم العليا. حيث رفض أجدادنا مقترح المندوب السامي البريطاني بأن يتمتعوا بحكم ذاتي على أرضهم، وأصروا على بناء دولتهم، ودفعوا منذ أيامها الأولى الدم والعرق لتكون حاضنة للقيم العليا التي آمنوا بها، ورثها الأردنيون. فلن يقبلوا اليوم أن تنحصر مشاركتهم وشرعيتهم في قناة العمل البلدي، ويغيبون عن إدارة الدولة ومواردها، ويستأثر بإدارتها فئة لا تملك الشرعية ولا التفويض.
كما أن المؤسسات الفاعلة هي التي تمكن الشعب الأردني من التحرر من منطق الوصاية الذي تمادى به الكثيرون ممن يدعون الحرص على الوطن. ونحن نؤكد، بأن الشعب الأردني الذي يفخر بما حقق من إنجازات تعليمية وثقافية، وبما لديه من حس بالشرعية والسيادة، قادر على تطوير استجابات إبداعية حقيقية، وهو حري بالاحترام والتقدير. وسوف يقوم بالتصدي بحزم لكل الذين يتجاهلون الحقائق لتبرير مصادرة حقوقه السياسية والاقتصادية واستمرار منطق الوصاية في التعامل معه.
الشعب الأردني الحر هو صاحب القرار في كيفية إدارة مؤسسات دولته وهو قادر على تطوير ما يلزم من أدوات وتشريعات حديثة تحاكي التطورات العالمية والإقليمية بشكل سريع وحاسم في المجالات الاقتصادية والسياسية كافة، والوصاية عليه كانت المدخل للاستبداد وتركز السلطات واستشراء الفساد، والانحدار إلى الهاوية.
ونحن إذ نؤكد ثقتنا بنواياكم الطيبة لإنجاز الإصلاح الذي يتوق له الأردنيون بكل مشاربهم، فإننا نتقدم بمبادرة الملكية الدستورية بمبادئها العشرة، والتي من شأنها أن تسهم بشكل فاعل بتحقيق ما يصبو إليه الشعب. فأول مبادئها أن الملك رأساً للدولة وليس رئيساً للسلطات، ويقف على مسافة واحدة من جميع الأردنيين، وينأى بنفسه عن الانشغال بالشئون التنفيذية، التي من شأن استمرار انشغاله بها، أن يكون موضع خلاف بين الأردنيين. والمبدأ الثاني، لا سلطة تنفيذية دون صفة تمثيلية. والمبدأ الثالث سيادة الشعب وشرعيته، تقتضي أن يكون مجلس الأمة بشقيه منتخباً، وأن يكون سيداً، لا يحل ولا تعلق أعماله، ولا يمدد له، ويستطيع ممارسة أعماله حال انتخابه دونما الحاجة إلى إرادة ملكية لبدء عمل الدورات البرلمانية، إضافة إلى بسط سيادته على قراري الحرب والسلام، وعلى كل الاتفاقيات الدولية. يضاف إلى هذه المبادئ إلغاء المحاكم الخاصة والاستثنائية تنفيذاً لمبدأ أساسي وهو أن القضاء المدني النزيه الشفاف العلني هو الضمانة الوحيدة للعدالة. كما أنه من الضروري تعديل النصوص الدستورية لضمان أولوية حقوق المواطن. فلا يجوز أن يتضمن الدستور نصاً يمثل عائقاً يمنع المواطنين من التمتع بحقوقهم.
وحتى يضن شعبنا تجاوز مرحلة تزوير الانتخابات، لا بد من تأمين ضمانات حقيقية ضد تزويرها. إذ أن تزوير الانتخابات رديف للاحتلال الأجنبي، فكلاهما يصادر الإرادة الحرة للشعب. والمبدأ الذي ينص على أن لا مسئولية دون محاسبة يتطلب إلغاء كل أشكال التحصين التي يتمتع بها الوزراء ورؤساء الحكومات. وحتى نحمي أموال الأمة من التلاعب يجب إخضاع كل الأموال العامة لرقابة مجلس الأمة، وإنهاء عصر المؤسسات المستقلة وحماية أموال الضمان الاجتماعي وصناديق التقاعد من التلاعب، بتأمين رقابة الأمة عليها من خلال العلنية والرقابة البرلمانية على أعمالها.
ونحن إذ نضم صوتنا لكل صوت مخلص، بضرورة التمسك بالعقلانية، فإننا نؤكد على أهمية تحقيق الإصلاحات الضرورية بشكل شامل وجوهري وسريع. فالكل يعرف بأن العقلانية صيغة لضمان التقدم الآمن، ولا تنسجم مع الجمود وعدم تحقيق المنجزات. آملين بأن يكون الحوار بديلاً لاستنهاض الشارع والاحتكام له، فأنتم الآن أصحاب القرار وبيدكم المفتاح، وأنتم تتحملون مسؤولية تجنيب البلاد الفوضى، ووضع العربة على سكة الإصلاح قبل فوات الأوان. ونذكر بأن تحدي المبادرات الوطنية للإصلاح بالسؤال عن من تمثل وعن وزنها ومدى التفاف الناس حولها، هو المنطق الذي أدى إلى العمل على استنهاض الشارع. ونحن على يقين بأنكم تدركون بأن الحكمة، لا تلجأ للجمهرة إلا إذا غابت الآذان التي تصغي لها بعناية وتقدير.
وحتى نمنع محاولات المغرضين وتجار الولاءات من تعبئة المواطنين ضد بعضهم بعضاً، فالشعب ينتظر أن يتم تحديد الجهات التي تريد احتكار الإصلاح، وتوظيفه لخدمة أجنداتها بعد حوار مع الجميع، واستناداً لمعيار موضوعي واضح. فلا يجوز التشكيك بجهات وطنية استناداً إلى مصدر معلومات محدود، كائناً من كان.
فما ورد في خطابكم عن الرغبة بحماية الذوات من الإشاعات، يفتح باب تكميم الأفواه من جديد، ومصادرة حرية الرأي وانعدام الرقابة الشعبية، ويذكرنا بعهود نسأل الله أن لا تعود. والضرورة الآن هي ضمان آلية نافذة لمحاربة الفاسدين، وليس حماية بعض الذوات. فكل من يتصدى للشأن العام، تصبح كل حياته ملكاً للشعب والرقابة عليها حق من حقوق المواطنين. ومن الضروري هنا، أن تتحول هيئة مكافحة الفساد إلى جهاز فني يتبع للنائب العام، لضمان إعادة تفعيل الجهاز القضائي في مشروع مكافحة الفساد وردع الفاسدين.
وانطلاقاً من قاعدة النأي بكم عن الانشغال بالتفاصيل، فنحن نؤكد على أن الحوار الوطني من خلال المؤسسة البرلمانية هو صاحب الولاية الكاملة على المسائل الضريبية، وعلى قواعد الاستثمار، ومنهجية تنمية موارد الدولة وإدارتها وحفظها.
وفي سياق تعديل الدستور باعتباره متطلباً أساسياً للتحول نحو الملكية الدستورية، نريد التأكيد هنا على أن الدستور يتضمن شروط الشعب صاحب السيادة على الحاكم. ولا يجوز تعديله من خلال لجنة ملكية خاصة، بل من خلال هيئة وطنية تحظى بالثقة الشعبية. إن شعبنا يتذكر ما تم من تشويه للدستور عبر تعديله من خلال الحكومات واللجان الملكية الخاصة، ومثل هذه الممارسة لم تعد مبررة. فالشعب صاحب الشرعية هو صاحب الدستور، وهو من يغيره، ويعدله ويطوره.
وأخيراً، فإننا، ومن منطلق حرصنا على الدولة بكل مكوناتها، الشعب والأرض والنظام والسياسي، تقدمنا بمبادرة الملكية الدستورية، ونحن نستشعر خطورة تأجيلها، ونذكر بأن كل يوم ينقضي في التأجيل، يزيد من الاحتماليات الخطرة التي أشرتم لها في الخطاب.
وفقنا الله جميعاً، في خدمة الشعب الأردني، والأردن، وأعان العاملين المخلصين على حماية الوطن من المخاطر.
والله ولي التوفيق، له الأمر من قبل ومن بعد، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله.
المكتب التنفيذي المؤقت لمبادرة الملكية الدستورية
عمان - 13/6/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق