السبت، 25 فبراير 2012

ماذا نريد؟ د. محمود الكوفحي


نحن نريد اولا ان يقبل الملك بالملكية الدستورية...وعندما يتحقق ذلك يكون قد قبل فعلا بمادة مهمة من دستور 1952 الذي يقول ان نظام الحكم نيابي ملكي وليس ملكي نيابي كما في الدستور الحالي...ماذا نقصد بالملكية الدستورية؟ يمكن تبسيط الجواب على النحو التالي... يختار الشعب الاعيان والنواب وفقا لقانون يتفق عليه الشعب بحيث يضمن تفعيل البرلمان بشقيه دون سيف التهديد بالحل بسبب او دون سبب... ثم تقوم الاغلبية البرلمانية البسيطة بتسمية رئيس الوزراء للملك فيقوم الملك بتكليفه بتشكيل الحكومة...بذلك يستمد رئيس الوزراء شرعيته من الشعب ويكون مسؤولا امامه ان قصر...هذا يقضي على حكومة الظل واسطوانة توجيهات من فوق...ويجعل الحكومة قادرة على محاربة الفساد والتعبير عن مصالح الشعب باقتدار...ويصبح الملك دستوريا ورمزا يحظى بالولاء والمحبة من كافة الأردنيين...بالتأكيد سيقوم قضاة من المشهود لهم بالنزاهة بالصياغات القانونية المطلوبة بعد أن يقبل الملك بالتحول إلى الملكية الدستورية...أما الآن، فإن الخوض في مثل تلك التفاصيل لن يخدم أحدا من المطالبين بالإصلاح ... وإنما على العكس يمكن أن يؤدي إلى شق الصف لسبب الأختلاف في الاجتهادات والدخول في قضايا جانبية...

لفت نظري وأنا أقرأ بعض مشاركات المنادين بالإصلاح على الفيسبوك، طروحات لأردنيين متحمسين يؤمنون بضرورة التحول إلى الملكية الدستوري لتحقيق الإصلاح المنشود...يطرحون وجهة نظر مفادها أنه لكي يتم النحول للملكية الدستورية يجب أولا أن يكون لدينا أحزاب قوية...ذات برامج عمل شاملة تغطي جميع الجوانب وتتم المفاضلة بينها قي ضؤ برامجها...ويبدو مثل هذا الطرح منطقيا وجميلا من الناحية الأكاديمية البحتة...ولكن لواستعرضنا الواقع الأردني خلال العقود القليلة الماضية لأدركنا أن حال من يدعو لوجود هذه الأحزاب لايختلف عن حال من يدعو لوضع العربة قبل الحصان...فقد علمتنا السنين الطويلة الماضية استحالة تكوين احزاب قوية ذات برامج عمل في غياب الحرية الكاملة عن الشعب الأردني...مع كل كتاب تكليف لحكومة جديدة كان الملك يتحدث عن التنمية السياسية ولكن لم يتحقق شيء يستحق الذكر على طريق هذه التنمية...يا ترى لماذا كان الفشل الذريع حليف كل الحكومات
المتعاقبة في انجاز التنمية السياسية المنشودة؟

كلنا يعلم من الذي تآمر على الأحزاب الأردنية وحارب قياداتها الشريفة بالتشكيك والتضييق عليهم بكل الوسائل ليمنع تاثيرهم الحر على المواطن العادي...وذلك في حالة من غياب الحريات السياسية الحقيقية...وكان العمل الحزبي (ولا زال) جهادا يوميا مستمرا من المنتمين للأحزاب الوطنية....حيث كانت سياسة وممارسات الأجهزة الأمنية على الدوام التضييق على كل الأحزاب الوطنية وعلى رموزها والمنتمين إليها ... بما في ذلك محاربتهم في الحصول على لقمة العيش...من خلال تدخلها بالتعيينات وعدم الموافقة على تعيينهم في اي وظيفة في مؤسسة حكومية أو عامة...يضاف إلى ذلك محاولات الالتفاف على الأحزاب الوطنية الحقيقية بخلق احزاب "وطنية" أخرى ليس فيها شيء وطني سوى الإسم... لقد عملت تلك الأجهزة على محاربة وملاحقة والتضييق على الاحزاب الاردنية التي لاتأتمر بأمرها...مثل جبهة العمل الاسلامي...ويكفي ان تقرأ مقالا في عمون او احدى الصحف الصفراء الخاضعة للأجهزة الأمنية كي ترى التعليقات المنتقاة التي تسخر وتطعن بكل قيادات الحزب .... لاعطاء الانطباع ان الحزب مكروه من الشعب الاردني...وليت الامر يقف عند ذلك...فكلنا يعلم كيف منعت الاجهزة الامنية حزب الجبهة من الحصول على حصته الحقيقية في التمثيل في البرلمان أوالنقابات وحتى اتحادات الطلبة من خلال التزوير والتغيير المستمر في قواعد اللعبة الانتخابية ... بما لايخدم مصلحة الحياة الحزبية والتنمية السياسية في الأردن...

في ظل كل ما تقدم، فقد أدى التضييق المستمر على الأحزاب الأردنية الحقيقية إلى إعاقة نمو الأحزاب وتطورها إلى المستوى الذي طالب به الملك...وكان من غير الممكن للاحزاب ان تعمل أو أن تتطور في جو تحاربها الدولة بكافة الطرق...ولذلك فان المتذرعين بوجود احزاب كشرط للتحول الى الملكية الدستورية يطلبون المستحيل...فلن تتطور اي حركة حزبية حقيقية في الأردن إلا بوجود حرية حقيقية وكاملة...يتوقف الأردني فيها عن الخوف من الملاحقات الأمنية إذا انخرط في حزب لاترضى عنه الدولة، حيث ترفع الأجهزة الأمنية يدها عن المشهد السياسي ولا تعود تتدخل بالعملية السياسية لمصلحة أحد أو ضد مصلحة أحد...ما اريد ان اقوله هو ان الاصل يظل في وجود هواء حرية حقيقية يتنشقه الاردنيين جميعا لكي تترعرع الحياة الحزبية وتظهر برامجها على الملأ ويقوم الاردنيين بالاقتراع عليها وعلى برامجها كسائر الشعوب الحرة في العالم...

استنادا الى كل هذا اعتقد ان التغيير الاساسي اللازم للبدء بالاصلاح هو ان يقبل الملك بالتحول الى الملكية الدستورية ... وان تصبح الأجهزة الأمنية أجهزة لحماية الاردنيين والدفاع عن مصالحهم ... وتتوقف عن التشكيك بهم باستخدام معايير عوجاء حيث يختصر الولاء للوطن بمقدار التعييش للملك...وشتان بين هذا المعيار ومعيار المواطنة الصالحة الحقيقية...مع احترامي لكل الشرفاء في الأجهزة الأمنية...فهذه الاجهزة هي التي افرزت احمد عبيدات الانسان الوطني الحر الذي نقدر...وهي ذاتها التي افرزت سميح البطيخي...وشتان بين الاثنين بالطبع. لا أريد أن أطيل فهذه كلها اشياء معروفة لكل الاحرار الاردنيين...ولذلك المطلوب اولا ملكية دستورية تحترم الشعب وتعامل المواطن الاردني على انه انسان حر له حقوق ومن بينها الانخراط في حياة حزبية حقيقية...وانا متاكد ان غالبية احرار الاردن سيلتحقون بما يعتقدون انه يمثلهم من الاحزاب القائمة...او يأسسوا احزابا جديدة ان لم يجدوا ما يمثلهم بالقائم منها...وسيصبح لدينا الأحزاب القوية ذات البرامج على النحو الذي طالب به الملك بما يجعلنا جميعا نفخر بما لدينا من احزاب...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق